للتو فرغت من كتاب (حياة في الإدارة) لغازي القصيبي رحمه الله، صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت دون تاريخ، ويقع في 308 صفحات من القطع المتوسط، شدني جدا فيه أسلوب القصيبي الأدبي وبلغة هادئة سلسة شفافة، والكتاب جزء من سيرة ذاتية مكتظة بكثير من التفاصيل، فالقصيبي الذي ولد في الأحساء وتربي ودرس المراحل الدراسية ما قبل الجامعة في البحرين ثم غادر إلى مصر لنيل الإجازة في الحقوق ومن ثم بعدها حصل على البكالوريوس في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم حصل على الدكتوراه من بريطانيا، يرسم خطاً متوازياً مع الأحداث فلا يتذكر أشياء دقيقة عن حياته إلا بعد أكثر من خمس سنوات حيث فقد أمه وهو ما يزال رضيعاً فتربى في حضن جدته لوالدته يتيماً، ويسرد القصيبي أحيانا التفاصيل بلا طائل، ويدخل القارئ معه في دهاليز الوظائف التي تولاها، ويخرجه ليبقى على ضفاف الكتاب عن شخصية أشبه بالأسطورة.
تعلمت من أمي وأبي رحمهما الله رحمة واسعة وجعل قبرهما روضتين من رياض الجنة درسين مهمين للحياة:
أولهما- الوسطية في كل الأمور وخاصة في الدين فلا إفراط ولا تفريط:
فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجة".
كما قال عليه الصلاة والسلام: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون".
{gallery}galleries/miskan{/gallery}
لا بدّ أن مضيفي الطائرة يفضّلون الركاب من أمثالي؛ الصامتين، القليلي الطلبات، الغارقين في عالمهم، المنهمكين جدا في الطقطقة على الشاشة الصغيرة أمامهم بأمان. ما لا تعلمونه أعزائي المضيفين، أني كنت منشغلة جدا –ومستمتعة تماما- بتصيّد الأخطاء اللغوية الشنيعة التي تحفل بها خرائط طائرتكم المصونة!
مزيج من الضجر والانزعاج من أصوات الأطفال قادني إلى العبث بالخرائط المتوفرة على "شاشة التسلية" في الطائرة، وإذا بي أرى العجب العجاب. كررت ذلك في أكثر من رحلة، ومع شركتيْ طيران؛ واحدة محلية، وأخرى خليجية. وكانت النتيجة مضحكة، "ولكنّه ضحكٌ كالبُكا" كما قال المتنبي!
أحببت رسائل الأدباء والمثقفين، واطلعت على كثير منها مثل رسائل العقاد والرافعي ومي زيادة وغسان كنفاني وغادة السمان، ورسائل جبران وسواها، ذلك لأن الرسائل جزء لا يتجزأ من السيرة الذاتية لأي إنسان كتبت بظروف معينة، وتؤرخ لحقبة معينة أيضًا، إلا أنني وقعت على رسائل الرصافي مع معاصريه في كتاب شيق لكاتب اسمه عبد الحميد الرشودي جمع فيه 100 رسالة من أقارب وأصدقاء ومعارف الرصافي والكتاب يقع في مئتي صفحة ذيلها برسائل توثيقية بخط الرصافي نفسه صدر الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في العام 1994، والرسائل تغطي الحقبة الممتدة بين عامي 1906 و1934م، كما وثق الرشودي الرسائل بإشارات وإيضاحات وتراجم للأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الرسائل سواء أكانوا مرسلين لها أو مستقبلين لها، مع ذكر بعض الأسباب التي دعت إلى كتابتها أحيانًا، ولعل في تلك الهوامش من الفوائد ما هو أعلى قيمة أدبية من الرسائل نفسها حيث تجد الكتب المفيدة، وأسماء : الصحف والمجلات الصادرة في تلك الفترة مع التعريف بأساليب الأدباء آنذاك.
قد يبدو العنوان غريبًا بعض الشيء، ولكنني اخترته بعناية فائقة لأطرح ما أود طرحه بكل شفافية، وعن قناعة تامة أيضًا، إنني اليوم في الثانية والأربعين من العمر، إنني باعتباري إنسانًا على وجه البسيطة سيعيش ما شاء الله له أن يعيش ولكن إن طال عمري فقد يصل المئة مثلًا ولو تجاوزها قليلًا فهذا في علم الغيب، ولكنني أفترض أنني سأعيش ثمانين سنة، وقبلي يقول زهير بن أبي سلمى:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش = ثمانين حولًا لا أبا لك يسأمِ
وأنا اليوم تجاوزت الأربعين يعني ضمنت أربعين سنة خلت على علّاتها وأتطلع إلى الأربعين المقبلة إن قدر لي أن أعيشها كما أفترض والأعمار بيد الله أولًا وأخيرًا.
المقدمة:
تستمد النهضة الحضارية اصولها من فلسفة توجه الفكر بعناصره المتعددة الى أمام , وتعلو بالإنسان والمجتمع الى حالة اكثر رقياً مما كان عليه الأمر لحظة الانطلاق.
وبوصفنا مسلمين مؤمنين برسالة الله عز وجل, فإن أي نهضة حضارية لا تتخذ من القرآن الكريم والسنة الصحيحة اساساً ومنطلقاً, تظل نهضة عرجاء, وناقصة التكوين, ومشوشة الرؤى. لذلك فإن تحديد اسس المكونات الحضارية يعد المقدمة الاولى الصحيحة لصحة المسيرة وضمان نجاحها وجدواها, وبالنسبة للمجتمعات المسلمة فإن تحديد هذه الاسس لا يكون إلا عبر الكتاب والسنة.
ولأن الاقتصاد يعد بحق تكثيفاً للحضارة, فإن تحديد أصوله ينبغي أن يكون استناداً الى القرآن الكريم والسنة المطهرة, من أجل أن يكون بحق اقتصاداً اسلامياً يساهم بدور فاعل وكفوء وكبير في تصحيح مسار الحضارة الانسانية المعاصرة.
ولأن هذين المصدرين من السعة والشمول بحيث يصعب على باحث مفرد القيام بمهمة تحديد اصول الاقتصاد الاسلامي في ضوئهما وفي بحث محدد الصفحات, لذلك فقد خصصنا هذه الدراسة لبيان اصول الاقتصاد الاسلامي في القرآن الكريم, أملين أن نفرزها متباينة تعتمد السنة النبوية, منطلقين من اسلامية المعرفة والتأصيل الاسلامي للعلوم, رؤية منهجية وقاعدة مفاهيمية تضبط مسار البحث والتحليل.
الصفحة 19 من 432