هذه رواية ستأسرك ببساطتها ورمزيتها الذكية. وحينما أقول بساطتها، فإني هنا لا أعني الانتقاص، بل التقدير. فالحديث هنا عن سهل ممتنع، عن أسلوب بسيط ومفهوم، لكن قادر على التحليق. أمّا عن الرمزية الذكيةالأمر الآخر هو الرمزية الذكية، فالرواية تتكلم عن الطموح وعن الأمومة والإيثار وعن الطبقية وعن النضال عبر رموز توصل المعنى بشكل لطيف وحذِق.
رواية "الدجاجة التي حلمت بالطيران" للكاتبة الكورية "صن-مِي هوانغ" رواية حديثة نسبيا، لكنها تمكنت من وضع بصمتها على قلوب القراء والنقاد.
*****
هذه الرواية -مثل كثير من الكتب التي دخلت التاريخ- تستعمل الحيوانات شخصياتٍ رئيسة، فلدينا "كليلة ودمنة" الذي اختار "بيدبا" أن يجعله على ألسنة الحيوانات تنفيذا لأمر الملك "دبشليم" بأن يكتب له كتاب يفهمه العوام ويقدّره المثقفون، فاختار هذا الأسلوب. ونجد أيضا رائعة جورج أورويل "مزرعة الحيوانات" حيث التوظيف الذكي للحيوانات من أجل النقد الاقتصادي والسياسي والمجتمعي. وفي " الدجاجة التي حلمت بالطيران" أيضا نجد الحيوانات أكثر من مجرد سكان للغابات أو المزارع، نجدها كائنات مؤنسَنة، توصل رسالة ما كانت لتصل بهذه القوة والطرافة لو كانت الشخصيات من بني البشر.
الاتساع الزماني-المكاني
من نقاط قوة هذه الرواية هي أنها قابلة للقراءة في حقب زمانية وسيعة؛ فلو قرأها شخص قبل 100 سنة أو بعد 100 سنة من اليوم، فإنها مفهومة، ما لم ينقرض الدجاج والحيوانات في المستقبل! فعدم وجود قيد زماني محدِّد للأحداث، يمنح الرواية هذه الديمومة والقابلية للحدوث في أي زمان تقريبا.
مكانيا أيضا، تكتسب الرواية خاصية الاتساع. ورغم أنّ الأحداث تدور في مزرعة وفي الغابة، لكن لا يوجد وصف مبالغ فيه للتفاصيل أو لحيوانات محلية، مما يجعل القصة مقبولة لدى أي قارئ تقريبا. ففكرة قن الدجاج والحظيرة والحقل والغابة مفهومة لأي منّا حتى لو لم يكن من بيئة زراعية، والأبطال حيوانات مألوفة في الغالب (دجاج، بط، بط بري، بنات آوى، كلب، مُزارع وزوجته، ... إلخ). يوجد وصف لبعض النباتات التي قد تبدو غير مألوفة للقارئ العربي، لكن هذا أمر يمكن تجاوزه دون تأثير على الفهم أو المتعة.
الحرية، الطبقية، الأمومة
الشخصية الرئيسة دجاجة تدعى "إبساك". دجاجة بيّاضة محبوسة في قن مبني بحيث تُصادر بيضتها فور أن تضعها. ترى "إبساك" الحيوانات الأخرى في الحظيرة تنعم بحرية أكبر، وترى في الحظيرة ديكا ودجاجة ترقد على بيضها، فتتوق نفسها لأن ترقد على بيضها مثل دجاجة الحظيرة. هنا نلاحظ فكرة هامة وهي: التوق للحرية، والتشوق لحال أفضل، والرغبة في الأمومة. وهي ليس أمورا مقصورة على "إبساك"، بل تنطبق على البشر دون شك.
تجري الأحداث، وتتمكن "إبساك" من الفرار من القن، لكنها تصطدم بالطبقية والعنصرية في الحظيرة، ولا تلقى تأييدا إلا من فرخ بط بري يسمى بالمتشرّد، وهنا نجد أن الرواية تتكلم عن الطبقية والتهميش الاجتماعي والمروق عن قواعد المجتمع.
تغادر "إبساك" الحظيرة إلى الغابة، حيث تجابه خطر ابن عرس، ثم تتبنى فرخ بط بري، وهنا يظهر ثالث ملامح الرواية الرئيسة بعد الحرية والطبقية: الأمومة. كيف تتعامل الدجاجة مع هذا الصغير المتبنَّى؟ وكيف يعاملها هو؟ وكيف يغادرها في النهاية لينضم إلى أبناء فصيلته؟ وكيف تضحي هذه الأم –رغم أنها أم بديلة لا حقيقية- تضحيةً حقيقية؟
هذه الأسئلة تتشابك مع ظهور ابن عرس الذي يفسد على الدجاجة "إبساك" حياتها وطمأنينتها، هذا الكائن الشرير اللعين، الشخصية النمطية للشرير المؤذي. نفهم في النهاية دوافعه وما يحركه في مفاجأة غير متوقعة. مما يقول لنا أنه قلّما يوجد شخص شرير بالمطلق، شرير من أجل متعة الأذى. وواحدة من أهم مهام الأدب هي أن نعيش مكان الشخصيات فنفهم دوافعها، ونتعلم كيف يعذر الواحد الآخر.
الرواية مناسبة للقراء المحترفين، وللمبتدئين، وحتى الناشئة لن تكون قراءة الرواية صعبة عليهم. بل يمكنني أن أتطرّف وأقول إنّ من لا يحبون القراءة أو يتخذونها هواية، سيستمتعون بهذه الرواية، ولعلها تجعلهم يعيدون النظر في موقفهم تجاه القراءة. هذه رواية فيها من البساطة والمباشرة ما يناسب القارئ العابر، وفيها من العمق والرمزية والربط الذكي ما يشكل تمرينا عقليا جميلا لمحبي القراءة.
___________
نُشرت في مجلة "البيان"، عدد يونيو 2016.
يعرف الحمل على المعنى بأن يعطى حكم الشيء ما أشبهه في معناه، أو في لفظه، أو فيهما، أو هو حمل لفظ على معنى لفظ آخر، أو تركيب على تركيب آخر؛ لشبه بين اللفظين، أو التركيبين في المعنى المجازي؛ فيأخذان حكمهما النحوي، مع ضرورة وجود قرينة لفظية، أو معنوية تدل على ملاحظة اللفظ، أو التركيبين الآخرين، ويؤمن معها اللبس. وإن أسماه بعض اللغويين غالبا بالتوهم رغم خطأ ذلك.
والحمل على المعنى مشهور جدا عند النحاة القدماء؛ فهو عندهم علة نحوية مهمة من أربع وعشرين علة؛ إنه قياس ظاهرة على ظاهرة أخرى، وإعطاء المقيس حكم المقيس عليه؛ لعلة اشتراكهما في المعنى، والمثل التالي يوضح ذلك:
التعريف بالأسلوب والأسلوبية:
يعرف الأسلوب بأنه طريقة اختيار الكلمات ونظمها؛ لتؤثر في نفس القارئ أو السامع؛ فالحقائق المجردة: كالإحصائيات، ونظريات الهندسة، وقواعد النحو والصرف، وقوانين الطبيعة والكيمياء -لا أسلوب لها- أعني أنها لا تؤثر من ناحية لغتها ونظمها.
والأسلوب مشتق من كلمة الأسلوبية styllistics ـ هذه الأخيرة التي ترتبط بالمنشئ المبدع، وما يجعله متميزا في عمله الأدبي؛ فلا اهتمام إذا بالمتلقي سواء أكان سامعا أم قارئا؛ فالأسلوبية ترتكز وتتركز على دراسة تراكيب أسلوبية معينة.
إن الأسلوبية عمل نقدي يأخذ من العمل الأدبي موضوعه، ويهدف من خلال ذلك إلى معرفة الأساليب المبدعة من غيرها؛ ولهذا أطلق على الأسلوبية علم الأسلوب.
ومعنى كونها علما أن لها أسس وقواعد، وليس الأمر متروكا للميول والرغبات والأهواء الشخصية.
يبدو موضوع الكتاب غريبًا، فقد ماتت اللغة اللاتينية وانحصرت دراستها في مختصين قلائل. لكن ما كتب بتلك اللغة قد ترك أثرًا عميقًا في ثقافة الشعوب الأوروبية امتد حتى اليوم. ألا وهو الصورة السلبية للإسلام عامة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم بخاصة، هذه الصورة المحفورة في وجدان كل غربي، والتي تشكِّل مواقفه من الدول والشعوب الإسلامية. ولذلك نحتاج أن نبيّن للغرب انطلاقًا من كتبه وثقافته ولسان علمائه أنه قد استقى معلوماته من مصدر متحيِّزٍ وغير عقلاني. كما نحتاج أن نعرّف المسلمين لماذا انطبعت هذه الصورة السلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغرب. وللإجابة على هذه الأسئلة، ولإضاءة زاوية معتمة في معرفتنا عن تاريخ ترجمة القرآن باللغة اللاتينية، كان هذا الكتاب.
هذا الكتاب يضع أمام القارئ ثلاثًا وأربعين من ترجمات القرآن الكريم باللغة اللاتينية، وُيعنى بشكل خاص بضبط عناوين الترجمات وأسماء كتّابها وأماكن وجود مخطوطاتها. ويعرض الكتاب لظروف كتابة هذه الترجمات، وتأثيرها، والأشخاص الذين شاركوا في ترجمتها وتصحيحها. كما يأتي الكتاب –كلما أمكن- بنماذج من الترجمات وصور لمخطوطاتها، وتعليق الباحثين والمهتمين بها.
شكلت لي رواية "سيرة الشيخ نور الدين"، للدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي مفاجأة سارة ورشفة من الماء العذب البارد الصافي. فأنا من محبي الروايات العربية والمترجمة. لكن الرواية العربية في الفترة الأخيرة غرقت في الجنس، وحتى لو لم يكن الجنس هدفها، فقد تضمنت كما هائلا منه، مما أصابني بالقرف والتقزز فامتنعت في العام الأخير عن شراء الروايات –تقريبا-.
هذه الرواية تحكي عن الأيام الأخيرة في حياة شيخ من الأقصر، اكتسب المشيخة بالوراثة والدراسة، واكتسب معها التقاليد العربية الإسلامية للصعيد، فصار بطلا جمع المجد والشرف والقوة والحكمة والعلم، مما مكنه أن يظهر الجوانب المدهشة للحياة حين يحكمها الإسلام.
اكتسب الشيخ قوته من صدق ومتانة علاقته بالله، فقد كان يناجي الله سبحانه وتعالى في كل حال، في الغضب والرضا، في الشدة والرخاء، في العسر، وفي أقصى حالات الاسترخاء والتعرض للغواية. وقد تمسك بأمرين نال بهما رضا الله والناس، العفة والزهد في المال، رغم أنه كان رجلا عاديًا يخالط الناس.
واكتسب احترام الناس له بسبب قوته ومهارته في السباحة والتحطيب (لعبة الضرب بالعصا الغليظة) والفروسية والمرماح (المثاقفة أو المواجهة بالحراب الخشبية الطويلة فوق ظهر الحصان). وكان حتى أواخر أيامه يقفز فوق الحصان كشاب في العشرين وينطلق به بما يحسنه غيره، وإذا أمسك أحدًا شده أو عصره بقوة غير متوقعة.
في كتاب (أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 225) طُرح هذا السؤال على باحث لغوي:
"هل النحو العربي قادر على وصف اللغة العربية المعاصرة، وهي لغة تختلف عن تلك التي قعد لها النحاة منذ مئات السنين؟ وهل هذا هو مصدر صعوبات النحو التي تؤرق الناشئة؟ وما هو المطلوب في نظركم؟
لقد اهتم العرب قديمًا باللغة العربية اهتمامًا كبيرًا. ويظهر ذلك في إنزال الشعراء منهم منزلة عظيمة، فكان الفصيح والبليغ منهم إذا أحسن في شعره علقوا على جدار الكعبة شعره، ولهذا كان يطلق على الشعر المعلق "المعلقات"، كمعلقات عنترة وغيره من الشعراء. وكانت القبيلة منهم تحترم القبيلة الأخرى وتخاف الهجوم عليها نظرًا لوجود شاعر معهم يتميز بحسن الرد، والقبائل آنذاك تخاف أن يذكر اسمها بسوء يتداوله الناس فيما بينهم وتكف ذلك عنها.
الكتاب: التجربة النهضوية الألمانية: كيف تغلبت ألمانيا على معوقات النهضة؟
المؤلف: د. عبد الجليل أميم وآخرون
الناشر: مركز نماء للبحوث والدراسات
عدد الصفحات: 255 ص
يتناول هذا العمل التجربة النهضوية الألمانية بالبحث والتدبر من باب أهم العوائق والمشكلات التي واجهتها وكيف تجاوزتها حتى تبلور هذا الأنموذج التنموي الناجح، ولعل التجربة الألمانية قد ألهمت عددًا من الكتّاب والباحثين فتناولوها بالدراسة والتمحيص؛ لأنها مثال لدولةٍ انتقلت من وضع الهزيمة والتقسيم والتحطيم الذي تسبّبت فيه الحروب إلى دولة قوية ذات اقتصاد متطور، وتضطلع بدور قيادي على مستوى أوروبا. لكن أغلبهم ركز على الشق الاقتصادي فقط في حين أن هذا الكتاب يعالج نجاحاتٍ ألمانية على المستوى السياسي والعلمي والثقافي بشيء من التفصيل.
الصفحة 6 من 31