أود طرح ظاهرة مهمة جداً لوحظ في الآونة الأخيرة انتشارها بشكل كبير جداًفي بعض المجتمعات وهي الشائعات التي شملت جميع جوانب الحياة وأصبحت من العادات المحببة لدى البعض وكأنها أمر طبيعي يفترض على الجميع المشاركة فيه والمساعدة على نشره.، وأصبحت الشائعات من قوة انتشارها تتحول في عقول البعض إلى حقائق وما هو لافتاً للنظر أيضاً أن معظم الشائعات تكون مفبركة يطرحها خبراء متمرسين وبالوقت المناسب لتلائم الحدث .وللأسف الشديد انتشرت بقوة
تفوق قوة الحقائق، وسبب قوتها يعود للأرض الخصبة التي ترعاها. فمثل هذه الظواهر تلحق الضرر في كل أفراد المجتمع بكافة فئاته .
ما استقرّت الحياة على جوديِّها ولا استقامتْ على جادّتها إلا في كنف ميزان ذي كفتين
متوازيتين، وما أصابها الخلل ولا اعتورها الخراب إلا بحيف إحدى تلكما الكفتين
والخسف بالأخرى، بل إن ذلك الميزان الحياتي المقصود هو أقدم الموازين وألزمها
قاطبة...ولم لا؟! وقد سوّاه واهب الحياة الذي هو-سبحانه-أعلم بها وأخبَر بما
يُصلحها ويُقوّمها.
من نعم الله على الإنسان المعاصر وسائل الاتصال الكثيفة التي يعوم فيها الإنسان، فلا يستطيع معرفة العمق لها ولا الطول ولا العرض، إنها متعددة التواصل: عبر الهاتف، وعبر الواتس اب ومجموعاته وأفراده، وعبر جوجل، وعبر الفيس بوك، وعبر تويتر، وعبر الصحف الإلكترونية ومداخلاتها. إنها ميدان للحوار والجدل والاختلاف وتارة الافتراق من بعد ما جاءهم العلم، وهي وسيلة للعلم والمعرفة والعمل والممارسة، ووسيلة لكشف المواهب، وعن طريقها تجمع المعلومات، وهي تضع الكتب أمامك، كأنها طائر الهدهد أمام سليمان بن داود، والكتب بين يديك حاضرة في لحظات نيرات مثمرات، إنها تواصل بين الأرحام في المشارق والمغارب، وهي طريق التعارف والتحابّ، وهي ملتقي الأفكار والمفكرين، وميدان للجدل والحوار الموصل للخير، وهي ناشرة الإبداع، ومعرّفة بالمبدعين. إنني أعترف بتقصيري، فأنا أعدّ من محاسنها ولا أستطيع أن أحصيها.
إنها مولّد الحضارة السريعة المتوثبة، إنها ميدان عقول الموهوبين المبدعين وطرائق نتائجها، وقد استخدمها شباب الغرب في صالح الفرد أولا، ثم تطور إلى صالح العالم بأسرة، إنها جامعة المعلومات للفرد والدول، إنها اخترقت الخصوصيات وسبرت أغوار الساسة والخبراء وصانعي القرار، إن الاستخدام الأمثل لها يرقى بالأمم والأفراد، ويطور الصناعة، ويبدع الإبداع، وينجز الإنجاز، ويولد المعرفة، ويجسد الصناعة الدقيقة، كتوجّه الطائرة في الفضاء، وتوجّه السفن في البحار، وتصور الكواكب والنجوم والأعلى والأسفل من السموات والأرضين.
ذبل شباب منى، منى التي كانت أشبه بزهرة تفتحت بين الأشواك.. فإن كانت الزهور تذبل عندما لا تلقى ما تحتاجه من عناية ومن انتعاش بالماء الذي هو عنصر الحياة؛ فإن المرء الذي لا يجد من يُشعره بإنسانيته، والذي يفتقد إلى من يمنحه الحنان الذي هو عنصر الحياة وغذاء الروح بالنسبة لبني البشر؛ يصبح أشبه بالزهور الذابلة...
لم تكن منى قد لقيت يوما ـ ومنذ طفولتها ـ ما يُغذّي روحها البريئة. كانت تشعر دوما بأنها عبء على عائلتها وبأنها الشخص الإضافي في تلك العائلة المؤلفة من عشرة أفراد، وبأن مجيئها إلى العالم ـ كان كما يُشعرها كل من حولها ـ كان شؤما على عائلتها.
كثيرا ما حاولت منى أن تفهم سبب ذلك النفور وعدم الاهتمام، لكنها لم تكن قد وجدت بين أفراد عائلتها من هو أو من هي على استعداد حتى للإجابة على تساؤلها؛ الذي ظلّ دوما ذلك السؤال المُبهم والأمر الغريب الذي رافق طفولتها المُبكرة، وإلى أن بلغت سنّ الرشد وإلى أن نضجت مداركها؛ حيث كان الأمر قد أصبح حينذاك جليا تماما أمامها.
كانت الابنة الأصغرَ سنا في عائلتها، كان ما تم إعلامها به هو أن والدها قد فارق الحياة وهو لا يزال في أوج الشباب، وبعد ولادتها بأشهر قليلة نتيجة لحادث سير أليم. كان قد ترك عبء تلك العائلة الكبيرة على عاتق والدتها التي لم تكن يوما قد تقبّلت قدرها، وأن وفاته قد جعلتها تُصبح عنيفة عصبية المزاج، وهو ما جعلها تقسو بشكل خاص على منى التي اعتبرها جميع أفراد عائلتها شؤما عليهم.
مقدمة:
إن الجامعة مكان لمجتمع بشريٌّ حر لا يُعدُّ للحياة، بل هو الحياة نفسها، فالجامعة مجتمع تربوي متكامل، يعكس كل صفات المجتمع التربوية، وتتعاون؛ لتكوِّن حياة البشر، وهي ليست عددًا من الطلاب والأساتذة والمعامل يجمع بينهم المكان فقط، بل تفاعل الأفكار والآراء بين هؤلاء؛ لتهَبَ التعليم الجامعى النشاط والحركة والعطاء والاندماج، وتمنح الجامعة هيكلًا للمعرفة، ومملكة للعقل، ووعاءً للفكر الحر، وطريقًا قويمًا مفتوحًا إلى الحرية والإبداع.
إن الطلاب عندما يأتون إلى الجامعة؛ يأتونها ورؤوسهم مملوءة بالأحلام عن حرية الفكر وحق الإنسان في المعرفة، ومسئولية الجامعة هي أن تكون عند حسن ظنهم، فتعدَّ لهم أسباب النضج ، وتعجل بخطاهم إلى الوعي العلمي، وتعزيز وعيهم لذواتهم، وتدعيم هذا الوعي باحترام أفكارهم، بل حتى عندما تبدو هذه الأفكار قاصرة في معيار الأستاذ، وهي لا ريب قاصرة عن ذلك في أول الطريق، وإلا لما كانوا طلابًا يتتلمذون على أيدي أساتذتهم، وإجمالًا فإن الشباب يدخلون الجامعة ويعتبرونها ركنًا من أركان إدراكهم للعالم؛ لأن الوصول إلى الجامعة يعني في بعض ما يعنيه إجازة إلى وعي الذات، والشعور بالأمن والاستقلال والحرية الأكاديمية".
لاشكّ أن من أكبر النعم التي أنعم بها الله تعالى على بني البشر :
" نعمة الصبر والنسيان والتأقلم مع الواقع مهما كانت مرارته "
وبأن يقول المرء "قدّر الله وما شاء فعل !..."
لكن السؤال الذي يطرح نفسه مع ذلك هو :
هل بمقدور المرء بالفعل أن يتحلى بالصبر على كل ما يمرّ به من محن وأن ينسى معاناته تماماً ؟ ...
يوافق اليوم العالمي للغة العربية هذا العام ٢٠١٥ في التاريخ الهجري الجمعة السابع من ربيع الأول عام ١٤٣٧. ومن يتأمل مقولة الرافعي: (ما ذلت لغة شعب إلا ذل، وما انحطت إلا كان أمره في إدبار)، يفكر فيما لو عكسنا المقولة وقلبناها إلى سؤال: فهل ذُل الشعوب طريق إلى ذُل لغاتها؟ وهل انحطاط اللغة الأم لأي شعب مؤشر نحو زواله؟ لو تأملنا المقولة وعكسها لاطمأننا إلى نأي العربية عن هذين المصيرين، والسر وراء ذلك لا قوة العرب وتماسكهم واقتيادهم زمام المبادرة، قطعا لا! فالسبب الحقيقي هو ارتباط هذه اللغة بشرف وخلود كتاب الله العزيز، الذي جعله خاتمة الشرائع السماوية التي يبلغها البشر، فمن حفْظ هذا الكتاب جاء حفظ هذه اللغة، وهذا سيطمئننا –أيضا- إلى أنها ستكون في منعة من الزوال، شأنها شأن هذا الكتاب العظيم. وهذا اصطفاء رباني عظيم لهذه اللغة. لكن السؤال هنا: هل نكتفي بمعجزة الله -سبحانه- في هذا الحفظ! أم نحتاج لبذل الأسباب لنشرها وإتقانها وتعليمها وتطويعها لمتطلبات الزمان، أليس مثلها والعقل سواء! لقد منحنا الله إياه بقدرات هائلة، لكن من أبقاه منا ساكنا في حرز جمجمته فلن ينال شيئا من منافعه. ثم ألم نر إلى مريم -عليها السلام- في فترة مخاضها وضعفها حينما يقول الله –عز وجل- لها (وهزي إليك بجذع النخلة) حتى تأكل! وهو –سبحانه –قادر على منحها رزقها دون جهد منها... ولكنه شرف نعمة الشكر... ألم تَر أن الله قال لمريما: وهزّي إليك الجذع يسّاقط الرُّطَبُ ولو شاء أن تجنيه من غير هزّهِ جنتْه، ولكنْ كل شيء له سببُ وفي هذه القصة حكمة ربانية، تنطوي تحت درس من دروس الاستخلاف في الأرض... يؤيدها قول الله –عز وجل-: (إنا مكنا له في الأرض) ولم ينتهِ الأمر عند هذا بل تبعه: (وآتيناه من كل شيء سببا). نعمة جليلة أن يمكّننا الله من القدرات والخيرات، ويهبنا النعم، ثم يكون علينا الباقي في شكر الله عليها بحسن الانتفاع والإفادة، وإحكام التدبير، وما أمر العربية ببعيد، فهي منحة ربانية لكل من عرف قدرها، واعترف بإمكاناتها، ورعى حقها تعلما وإتقانا وتعليما ونشرا. بعيدا عن ضجيج الشعارات، وادعاء الحب، وتنفير الآخرين منها برداءة (التفاصح). فهي أسمى وأعلى من أن تنشر بمثل هذا. وفيها من الجلال والجمال والكمال ما يجعل سامعوها يُشدهون إليها؛ سحرا وطربا وافتنانا، وإن لم يفقهوا منها حرفا ولا معنى. وبعد هل أدركنا أين هي لغتنا الآن! أهي حقا - كما نزعم- لها شرف الهوية؟ أم قد شارفت -في أنظارنا- على الهاوية؟
الصفحة 10 من 78