كان من قبل أن يعرفني بشر، أُنادى به يوم العرض أمام من اختاره لي أولا وأحياني مرات جل جلاله، لا يعدِلُه ولا يُغني عنه حروفٌ قبله ولا بعده. إسمي شأني وذاتي، ولدتُ ونشأت وأموت به، لا أبالي بغيره.
تهتم أن تناديني بكلمة غير اسم وضعه خالقنا في اللوح المحفوظ من قبل أن توجد أنت وأنا؟ إن فعلتَ فلن تزيدني سرورا بل تعجباً من غفلة وإنكارا لدَيدَن. علماء وأفذاذ كانوا ينادَون بأسمائهم وبكنياتهم وما عبأوا. إن طلبتَ أن تُنادى دائما بلواصق قبل اسمك أو بعده أو بغيره ولا تقبل بغير ذلك فسأفعل ذاهلا نافرا.
"قد أتعثر في حرفٍ، أو أستغرق وقتًا في كلمة، لكن من حقي أن تسمعني كحقك في أن أسمعك، فالمهم هو ماذا أقول لك، لا كيف أقوله"
هذه الكلمات ننقلها على لسانِ 4 – 8% من الأطفال في العالم ممن يعانون من اضطراب الطلاقة الكلامية (التأتأة)، والذي يظهر على شكل تكرار أو مد للحروف والمقاطع والكلمات، أو وقف في الكلمة وصعوبة في إكمالها..
ولقاؤنا اليوم بطله طفلٌ في عامه الخامس، مرِحٌ كبقية الأطفال، يتميز بهدوئه وشغفه بكرة القدم، أصيب بالتأتأة، وواجه جهل مجتمعه، خالد لا زال يتمتع بروح الطفولة لكنه لجأ إلى تجنب الكلام بسبب ضغط مجتمعه عليه..
ومن هنا ننقل لكم مشاعر أمّ خالد.. تروي لنا تجربتها، وما الأثر الذي تركته التأتأة على ابنها، واخترنا اسم (خالد) كرمزٍ لكل طفلٍ يحمل معه نفس التجربة.
مررتُ هُنا على أثرك،
أقرأ عنك، أقرأ فيك
أقرأ منك..
أكرّر الآيات التي قصّت حكايتك
الحوار الذي دار بينك وبين أبيك،
أصنام قومك
النار التي ألقوك فيها..
وهجرتك..
وكلمّا عرفت أكثر، ازددت شوقًا لرؤيتك..
سيّدي الخليل؛ من ههنا بدأت حكايتي معك..
يدندنون على موّال الطاقة الإيجابية؛ السعادة؛ الأمل؛ كُن جميلًا وابتسم، ويحاربون مشاعرَ الحَزن بكلّ ما أوتوا من قوةٍ.
كلّ كتب تطوير الذات ودورات التنمية البشرية؛ تحث على استجداء مشاعر الفرح والتفاؤل، وقد استهلكت عبارات الأملِ والعيش بسلام.
لكن، لم يعرّج أحدٌ علىٰ أنّ من أهم أسباب الإحباط والشعور السلبي؛ هو مبالغتنا في التفاؤل، مُكابرتنا على مشاعر القلق، ادعاءاتنا اللامتناهية على أنّنا لن نستسلم للضيق وإن كسرنا وأُحبِطنا وفشلنا.
لم يدر بمخيلتي أنني سأكتب عن بداية العام الهجري الجديد ولا الميلادي عندما يدخل لأنني باختصار شديد أرى أنه كسائر الأيام ولا فرق بين اليوم والأمس إن لم تزدد فيه علماً أو أجراً أو عملاً أو مالاً، ولكن رسائل الواتساب التي أمطرنا بها الأحبة حفزت مخيلتي للكتابة وكانت الشرارة الأولى التي قدحت في ذهني عندما فتحت هاتفي هذا الصباح.
وأكثر ما يؤلمني حال أولئك الذين يضعون خططاً طويلة الأمد ثم لا يلتزمون بتطبيق أسبوع منها، ولا عيب في التخطيط بالعكس هو الأفضل والأجدى في حفظ الوقت وعدم تزجيته فيما لا طائل منه:
الوقت أنفَس ما عُنيت بحفظه وأراه أهون ما عليك يضيعُ
بسم الله الرحمن الرحيم "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" سورة القصص: آية (7).
كيف يمكن لحسابات بشرية أن تستوعب أنه إذا خافت أم على ابنها أن تلقيه في النهر؛ لينجيه الله تعالى ويرده إلى أمه، ويجعله من الرسل، ولكنها حسابات إلهية تعجز عنها حسابات البشر.
وفي حسابات البشر
1-1 = صفر
1 + 1 = 2
الكتابة للطفل ليست غاية في حد ذاتها أو سبيلا لغاية، بل هي غواية عند الأديب المحب المجد، يقصدها الجامحون المولعون بلا تطلعات أو أهداف ذاتية، هم يتلذذون إذا كتبوا، ويستمتعون إذا انتهوا، لا يمنعهم بلاء ولا وباء، ولا قلة نشر أو انتشار، ولا مانع من الموانع من المضي قدما كالثوار، مؤملين النفس بجيل من الأحرار، يمشون بصبر وإصرار، ولا يملون الانتظار، حتى وإن لم يكن الحصاد الطيب سريعا وفيرا، وكانت الظلمة السخية على الدرب جاثمة والأنوار الساطعة ضعيفة باهتة.
الكلمة التي أكتبها أسعى لكي تكون منبر عطاء وبناء، لا آلة هدم وإفناء، فكم من شيء قدم للأطفال أساء وكم من نوايا صالحة أضرت أكثر من النوايا الطالحة. وأومن بأن على كاتب الطفولة المبدع أن يحصِّن نفسه ويعدها الإعداد الأمثل، ويتزوَّد بكثير من الأدوات حتى يقدر على ولوج الزمن واختراق المدى، وصولا إلى عالم الطفل الصغير. وتزداد خطورة وأهمية أدب الطفل حيث يقدم له عصارة فكره، ويلهم خياله بكرم وسخاء، ويبني مجد مستقبله بعيدا عن آفة الغلو والتعصب والكراهية والعنف والفساد.
وتشرفت خلال رحلتي الطويلة نسبيا في عالم أدب الطفل وإعلامه بلقاء عدد كبير من الكتَّاب المجيدين الذين تحمسوا كثيرا في بداية مشوارهم لأدب الطفل، بَيدَ أنَّ معظمهم كما تحمسوا؛ انحسروا مرة واحدة. ومنهم من آثر الابتعاد بهدوء دون صخب، ومنهم من هجر الأدب والإعلام كلية، ومنهم من يئس وتوجه لوجه أدبي وإعلامي آخر، لأسبابه الخاصة، أما أنا، فما زلت - كما بدأت - أحني رأسي تأدبا وإجلالا أمام سمو الطفولة ومكانتها، وكأني أسيرها.
الصفحة 5 من 78