لم أكن ألقي بالاً لذلك المدعو "مالك بارودي" لا لشخصه ولا لما يكتب، رغم أنه أحد كتاب الحوار المتمدن الذي أكتب فيه أيضًا؛ فمنذ أن طالعت عناوين مقالاته ثم مروري على سطورها سريعًا، وأنا أحسه واحدًا من صبيان الإلحاد، تفارق أفكاره العلمية؛ كما يفارق حواره التمدن؛ فما يخرج منه سوي قيح الحقد، وفحيح غضب مُر يخص به الإسلام وحده، وكأنه مأجور على هذا..مدفوع له الأجر، ولاينتظر الأجر من الله الذي لايعتقد بوجوده.
شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة؛ فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم، ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء أفي أوروبا أم خارجها.
واحتدم التنافس بين الدول الصناعية للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية؛ مما نتج عنه تفاقم الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين؛ جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية انتعاشة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدم، وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا. وأثرت الحضارة الغربية على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم والثقافة؛ فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي.
"كتابان في الشهر هما الحد الأدنى للثقافة". هكذا تخبرك بعض العبارات الهائمة الحائمة في الإنترنت. كتابان في الشهر؟ هكذا؟ بكل ثقة؟ بثقة طبيب متمرّس يصرف وصفات الدواء وهو موقن بالتشخيص وبنجاعة العلاج. مازلنا نتجادل في تعريف الثقافة، ثم يأتي أحدهم ليعطيك الحل السحري؛ عليك تجرّع كتابين في الشهر على الريق مع شيء من القهوة.
أنا مستعدة لسحب كلامي بل وشجبه إذا أتاني أحدهم بدراسة علمية منشورة في دورية مُحَكَّمة تثبت أنهّ عينة ما دُرست، وتبين أن كتابين في الشهر كانا الحد الأدنى للحصول على الثقافة، وأن هذه العينة "تمثيلية" ويمكن تعميم نتائجها على شريحة أوسع من الشريحة. أمّا المقولة أعلاه فهي والله أعلم رأي انطباعي من أحدهم، وصل به الصلف مبلغه كما وصل بالعطار أو حلاق القرية الذي يصف العلاجات ولا يبالي!
اللغة العربية اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، ولأنها اللغة التي بلّغ بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الإسلام رسالته السمحاء إلى العالم. وأنا أعتقد أن تدريس اللغة العربية مهم جدًا، فهي تكتسب أهميتها من أنها المفتاح لفهم الإسلام العظيم، أي فهم كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -.
الوليدُ الجديدُ في مهده تراه أحيانًا يبتسم وهو غارق في نوم عميق، تسألُ نفسك: ما الذي يبعثه على صياغة هذه الابتسامة؟ هل أحسّ أن أحدًا داعبه أو لامسه أو أشار إليه إشارة لم يستطعْ أن يعبر عنها إلاّ بالابتسام؟!
وقد تراه أحيانًا يصرخُ باكيًا دون مقدمات، يفاجئك بصوته، فيقطع عنك لذّة نومك، ويسرقك من أفكارك إن كنت مستيقظًا، وقد أوهمك أنه نائم مسافر عنك في لذّة النوم السحيق ... وأنت أمام ابتسامته أو بكائه تقفُ حائرًا إن أردت التعليل، وربما ترضى فتقنع نفسك أن حلمًا جميلاً تراءى له في نومه فابتسم، أو حلمًا مزعجًا مرّ به فتظلّمَ بالبكاء! وستنفقُ وقتًا طويلاً دون طائل إذا حاولت أن تجيبَ نفسك؛ هل الأطفال في سن الأسابيع الأولى يحلمون كما نحلم؟
وكيف يحلمون وهم لم يعايشوا غير مجموعة صغيرة من الأصوات المبهمة التي ترتفع وتنخفض من حولهم، ومجموعة من الصور التي تحضر حينًا وتغيب حينًا آخر، أو مجموعة من نسمات هواء الحياة التي يأخذون منها ما يقيم حياتهم، ويتركون خلفهم حياة صاخبة تقوم ولا تقعد، وتموج ولا تهدأ، وتثرثر ولا تسكن، وتعمل ولا تتعب.
بعض الناس عندهم إلمام بأمور الدنيا، لهم أفكار وآراء وقد يصيبون في أقوال وأفعال. لكنني مختلفٌ متفرد! لست كواحدٍ منهم! عندي حلولُ كل المشكلات ومفاتيحُ السعادة لكل إنسان. أفكاري متجددة لا تخطر لغيري. حروفي وحركاتي وإشاراتي وقراراتي كلها خبرةٌ وتعقُّلٌ واتزان. حصتي من الذكاء والحكمة والبصيرة أكبر وأوفر من كلِّ من رأيت مذ كنت طفلًا.
ذلك التصور أوحيه لمن حولي إن كررتُ استيائي من كل من يراجعني في آرائي وتصرفاتي وقراراتي. ذلك هو لسان حالي إن أكثرتُ العتاب والردع لكل مذكِّر وناصح، واعتدت على السخرية والأنفة ممن يناقشني مهما أتى بعلم وحجة ودليل. إن كنت لا أقبل أي تنبيه لخطأ في كلامي ولهفوة في أفعالي ولا أدع متكلمًا إلا قاطعتُه، وأصررت على تحقيق رغباتي وحدي، ولا أترك أحدًا يتصرف في أمر مشترك إلا وسببته وعِبته ورددت عليه، فأنا أعلن عصمتي! وإن أنكرتُ هذا زدتُ على إعلان العصمة إعلان الغفلة! من أكون بذلك من سيد الناس الذي كان يستشير ويسمع ويقبل برحابة صدر ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ بل إنَّ مولانا ـ جلّ جلاله ـ تكلم مع ملائكته ورسله وما منعهم الاستفسارَ والتعبير. وعالم اليوم تعددت وجوهه وتكاثرت تخصصاته وزادت مزالقه، فلا يطيق عاقل واعٍ مؤدب أن يدّعي الإلمام بكل ما حوله دون حاجة لغيره.
يجب أن يؤمن العرب بعروبة التاريخ، وهذا أسميه بالمصطلح الجديد الذي هو الحل، ألا وهو: التعريب السياسي. وهذا بنشر فكر عربي معادٍ يقوم على عداء اليهودية بمفهوم عرقي. يجب علينا أن نعامل اليهود على أنهم أجسام متحركة لا روح فيها (زونبي)؛ لقد احتلوا أراضي عربية، وقتلوا الكثير من جنسنا، أعلنوا الحرب على كل ما هو عربي. ولأن التاريخ يثبت لنا أن القيم تبعث من جديد. عندما يبدأ رجال مثلي في التفكير في مشروع ومبادئ جديدة مضادة للفكر المعادي للقيم التي فرضت علينا الوجود، فالكتابة هي الخطوة الأولى في مسيرة الفكر الثوري؛ لأن عملية البناء تبدأ بالكتابة من العقول المحاربة لأفكار معادية للعروبة، لأن الصراع الفكري هو مقدمة كل حرب دموية. فالرسالة الإسلامية احتاجت دومًا للعرب لنقلها من مكان إلى مكان، فالصراع الحضاري هو بداية تاريخ جديد.
من المستحيل أن نتوقع حضارة عربية تسيطر على العالم بدون أن تفدي نفسها بالأرواح. إن الحضارة تبنى بالدماء والدموع، وهدفنا لا ينتهي؛ فهو عملية بناء مستمر إلى أن يتحول هذا العالم الى اللون الأخضر.
الصفحة 13 من 78