أول اعتراض صدر من الملائكة على خلق الإنسان أنهم سيفسدون في الأرض ويخرجونها عن النسق الذي وضعه الله لها: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"، وفي هذه الدعوى إشارة بليغة إلى أن الإفساد في الأرض منافٍ لما يقنضيه وجود الإنسان في الأرض كخليفة مسؤول عن إدارة شؤونها وإعمارها بما يعود على البشرية جمعاء بالخير، وهو في نفس الوقت أول ما يتبادر إلى الذهن من الجرائم التي يرتكبها الإنسان.
الحمد لله رب العالمين. العالم عالمين. عالم الإنس وعالم الجن، عالم الغيب وعالم الشهادة، عالم الواقع الافتراضي وعالم الواقع الحقيقي. أيضًا الواقع واقعين، واقع حقيقي بعالم افتراضي وواقع تخيلي بعالم حقيقي. كثيرون يعتقدون أن الواقع الحقيقي هو العالم الذي نحياه بين الناس وأن الواقع الافتراضي التخيلي هو العالم الذي نخلقه بأنفسنا لأنفسنا في خيالنا.
من حكمة الله تعالى أن فرض الصيام على المؤمنين في ظرف زماني هو شهر رمضان، على امتداد الجغرافيا الدنيوية، ويبقى قدوم رمضان حدثًا تستعد له الملايين من المؤمنين ماديًا ومعنويًا، وتشبه هذه الاستعدادات نوعًا من الاحتفال بقدوم عزيز على القلوب، لما أضفاه نزول القرآن فيه من معاني تستدعي كثيرًا من القدسية لهذا الشهر، فرمزية النزول فيه، جعلت منه شهرًا يفضي فيه الإنسان إلى ربه، منقطعًا عن ملاذت الجسد محولاً ذلك التعب إلى جزء من تنسكه وترويضًا لنفسه.
ما يميز الجاهلية التي حذر منها الإسلام، هو الآلهة التي اخترعها البشر وصنعوها بأيديهم ثم أضفوا عليها هالة القداسة والتعظيم، ثم ما لبثوا أن جعلوها واسطة بينهم وبين الإله الحقيقي، ولم يستطيعوا الانفصال عنها أو التخلي عنها، رغم اعترافهم بأنها لا تنفع ولا تضر، ولا تملك لنفسها حيلة كما لا تستطيع دفع شر عنها، لكن الحقيقة الصنمية لا تتجسد في الحجر أو حوادث الطبيعة، بقدر تجسدها داخل النفس التي يقبع في أعماقها الأفكار التي تعد اللبنة الأولى لصناعة الأصنام. لذلك، يصح لنا القول بأن تجليلات الحالة الصنمية تختلف في التجسد الخارجي مع ثباتها في المصدر الداخلي، ومعنى هذا أن أشكال الأصنام تختلف من عصر إلى عصر، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان. فقد يكون الصنم في عصر ما حجرًا وفي نفس الزمن مع اختلاف المكان قد يكون ظاهرة طبيعية كجبل، أو كوكب، أو... وقد يكون في عصر ما إنسانًا، أو فكرة، أو أداة، أو...
هل يستطيع المرؤ أن يعيش بلا مكتبة؟
الجواب ببساطة :نعم.
ولكن أن أنام على الشوك أهون لدي من أن أنام بعيدًا عن مكتبتي.
فمكتبتي تملأ غرفة جلوسي وممرات بيتي وغرف النوم الثلاث، فأنا أعيش وسطها.
مكتبتي ترافقني إلى السرير ولا تتركني حتى أنام وترقد بجواري تحرسني إلى أن أستيقظ.
"خالد" طالب في "الصف السادس" من المرحلة الابتدائية، حَسَنُ التربية، مجتهد في دراسته. عاش في هذه المرحلة حياة مستقرة، يملؤها براءة الطفولة ومشاكسات الصغار، ما بين تربية، وتعليم، ولعب؛ قضى "خالد" السنوات الست في مدرسةٍ يشعر بالأمان والاطمئنان فيها، لمعرفته التامة بمدرسيه وبالمرشد الطلابي للمدرسة.
غير أن هذه المرحلة لا تخلو من بعض السلوكيات الخاطئة، من بعض الطلبة الذين فقدوا التربية السوية، ولكن ما إن يحصل لـ"خالد" موقف سلوكي خاطئ في هذه المرحلة، فإنه يتوجه مباشرة لمرشده الطلابي أو لأحد معلميه الذين قضى معهم سنوات طويلة، فيشتكي ما حصل له، فيبادر المرشد أو المعلم باحتواء الموقف، ومحاسبة المخطئ ومعالجة السلوك، أو يرجع لبيته فيشتكي لأبيه ما حصل له، "فيستمع له الأب" فيقوم بالتواصل مع المرشد لمعالجة هذا السلوك والسعي لعدم تكراره، بذلك يكون "خالد" انتصر للقيم والسلوكيات التي تربى عليها.
ما هي إلا أشهر بعد زواجنا حتى هجمت ظلمات الباطن تريد إسكات لساني عن أيِّ ذكرٍ طيبٍ لك، وليجاري غيري ساخرًا منك ضاحكًا كالأبله! زوابع كامنة كادت ترضخني لأراعي صحتي ومالي وعلمي ورفاهيتي منتظرًا منك تحقيق ذلك لي. حفظتُ ألا أسمح لك بمتابعة أية مصلحة لك، فلا مصلحة لك إلا مني! وحفظتُ أن عثراتي بسببك وأن نجاحي بسببي، وأن أحصي هفواتك ومحاسن غيرك. حفظْتُ وحفظتُ... كشريط جامد، فبئس ما حفظتُ ويا لغفلة من دسوا!
عزيزتي، أوشكتُ أن أقترف ما ذكرتُه، وما شلّ فطرتي وسوّد دخيلتي، كاد أن يخنق عواطفنا ويعطل عيشتنا ويعكر أيامنا لولا قبسات مودة ورحمة ونبضات عدل وكرامة هزمتْ جهالةَ التّلقّي وذُل الإمّعية، فأحرقتْ هذيانًا سالفًا تالفًا قبل أن يسيطر، وانتبهتُ لأحيا معك وبك. حررتُ مشاعري من أقبية باطلة قديمة ففاضتْ تهذب جوارحي. عرفتُ معاني السكن ومستودع السر ومنطلق السعادة، وأن حقيقة الحياة هي أن يعطي الانسان ويعبر ويصغي ويتأدب قبل أن ينتزع ويتهم ويصيح ويتمرد ويحيل غيره آلات يشغِّلها كما يريد.
الصفحة 15 من 78