بيني وبيني يكثُرُ الجدَلُ
ما هذهِ الأحوالُ يا رجُلُ
ما هذهِ الأشعارُ تكتبُها
أبياتُها بالوجْدِ تشتعلُ
وكأنّ رأسَكَ رأْسُ ذي صِغَرٍ
مُتقحِّمٍ ما رَدَّهُ وجَلُ
تَستخرجُ الماضيْ وتكشفُه
والآخَرونَ لحَوْكَ أو عذلوا
فتُقلِّبُ الأوراقَ تسألُها
وتعيشُ فيها عِطرَ مَن رحلوا
وكأنّما ثبَتَ الزمانُ على
ماضيكَ ما لكَ عنه مُنتَقَلُ
وتسيرُ فيه ثُمَّ لا تَصلُ
لا خيبةٌ تُثْنيكَ لا مَللُ
الناس تُحكمُها بصائرُها
وأراكَ منفرِداً بكَ الغزَلُ
*************
ما شأنُ شَيبِ الشَّعْر في لهَفٍ
تشدو به روحٌ وتنفعلُ
الجَورُ للأبدانِ فتنتُها
والروحُ بالأبدان تُعتَقَلُ
والروحُ نفخُ اللهِ خالدةٌ
لا الدهرُ يُخْبِيْها ولا الأجَلُ
ما ضرَّ إنْ باحَ الفؤادُ وفي
نفَثاتهِ تتنفَّسُ الجُمَل
فيزول بعضٌ من هواجسهِ
وروابطُ الأغلالِ تنفصلُ
ويطيبُ مما كان يوْهنُهُ
ويخفُّ مِنْ كرُباتهِ ثِقَلُ
الوجدُ صوْتُ الروحِ منطلِقٌ
والروحُ لا يَرْزا بها عطَلُ
فعلى مَ تبقى الروحُ عانيةً
بعلامةِ الأجسادِ تَنخزِلُ؟
أيومَك تختارُ أمْ ما مضَى
وأيُّهُما الظَّهْرُ كي تَنْهضا؟
يقولون: ما فاتَ خيطُ خيالٍ
تآكلَهُ العُمْرُ ثمَّ انْقضَى
زوَى وجهَهُ لم يُبالِ إذا
جرى ماءُ عينيكَ حتى نضَا
فيومُك أولَى بوصْلٍ وقد
تفتَّتَ أمْسُكَ أو أعْرَضا
يقولون هذا ولم يَعلموا
لأمسيْ إضاءةَ نارِ الغَضى
ولم يعْلموهُ وحيدَ الزمانِ
فريدَ الصَّدى في رحاب الفضا
وإكْسيرَ بخْتٍ لمن حازَهُ
يصِيرُ السَّوادُ بهِ أبْيَضا
ولم يَجدوا فيه مثلَ الذي
وجدتُ وأَبقَى الهَنا مُومِضا
ولو وجدوهُ لظلُّوا لهُ
بِدارَةِ أمسِهمُ رُكّضا
وفي غفلةٍ سارَ مِسْكُ الهواء
ومَرْهمُ جَفنَينِ إنْ أغْمَضا
وأبقَى عليَّ غريباً وراحَ
ببَلْسَمِ نفْسي وسِرِّ الرِّضَا
فغادرتُ أمسي كما غادروا
وأعْجَزَني القلبُ أنْ ينْبضا
يا راحلِينَ إلى الحبيبِ بِطَيْبةٍ
هاكُمْ فؤادي فاحْمِلوهُ إليهِ
إنّي لأستحْيِي النُّزولَ بدارهِ
ومَدارِكي لا تقْتَفي وحْيَيهِ
وأنا الذي زعَمَ المحبةَ بينما
صوبَ اللِذاذِ يُقادُ من رِجلَيهِ
وأنا الذي كالبحر ِ وجْهٌ ساكنٌ
تتلاطمُ الأهواءُ في جَنْبَيهِ
يا راحلِينَ خُذوا الفؤادَ لعلّهُ
في طَيْبةٍ يُجْلى عَمَى عينَيهِ
شُدُّوا عليهِ راقِبوهُ إنهُ
عاصٍ ويسْتحْلي دوامَ التَّيهِ
إن غِرَّةٌ لاحتْ تلقّفَها وما
يبقى سوى الوَسْواسِ في سمْعَيهِ
لا يستقيمُ على الطريقةِ، سالكٌ
درْباً يَعافُ الرُّشدَ من أمْرَيهِ
لا تتركوهُ غيرَ أن تصِلُوا بهِ
ولدَى الحبيبِ تَرَوْهُ بيْنَ يدَيهِ
ثمَّ انْظروا أيَتوبُ، هل يُدْعَى لهُ،
أم قولُهُ سيَضِيقُ في رئتَيهِ
وابْدُوا له عَوناً عسَاهُ يرعَوي
من قبلِ ما يَلْوي الرَّدَى ساقَيْهِ
من قبلِ أنْ ( ربِّ ارْجعونِ) حسرةً
تَغدُو ورهنَ الحبسِْ في شَفَتَيْهِ
إسلامنا كالنورِ للحدقِ
نرجوه في ليلٍ بلا فلقِ
نشتاقه شمسا وقد نهضت
في بوحها من ظلمة الأفقِ
إسلامنا بالحقّ منتشرٌ
ما كان في يومٍ على ورقِ
كان عيداً إنْ حَيِيْنا أو تَمشَّينا معاْ
أو شذا رَيّاكِ سرَّى عن فؤادي الوجَعا
أو طريقٌ جادَ بالصُّدفةِ كي نجتمِعا
كان عيداً إذ أتى صوتُكِ يَنفي الجزَعا
يهَبُ الرِّفْقَ ويُسلِي ويداري الولَعا
فبهِ أزهَرَ عُوْدي وبهِ قلبي وعَى
وانجلتْ نفسي صفاءً وعيوني لُمَّعا
وبهِ وهو ينادي اْسْميَ همّي ارْتفعا
كان صوتاً فتوارَى والرَّجا ما سمِعا
راحَ، ما سكَّنَ رَوْعي، لمَّ شَمْلي قَطَّعا
أفلتتْ رجْلايَ درْبي، ضِقتُ فيما اتَّسعا
صارت الغُصّةُ طُعْمي والشَّجا لي مَرْتعا
فإذا عمْري ذوَى والحَينُ أدنَى أوْ دَعا
راعَني صوتٌ! أَذَا كان اضْطرابي نزَعا؟
ألَهُ أن يلأمَ الوجْدَ الذي قد مُزِّعا؟
يرْتقُ السّالِفَ والآتيَ فيما ضَيّعا؟
إنْ يكن ذاك لذِكرىً كيف لي أنْ أصنعا
أو لودٍّ فزماني قد مضى وانْقطَعا
نكأ الصوتُ جراحاتي وسِرّي أطْلَعا
أتراني مُستجيبَ الحالِ أم ممتنِعا؟
يا سيّد التاريخ والأممِ
أنت الهدى للعربِ والعجمِ
تزهو بك الذكرى وقد نَبضت
أشواقها في القدسِ والحرمِ
مطاردٌ لا أرضَ لي ولا سَماء
مطاردٌ ما زلتُ أعدو في العَراء
فأين أمضي والسلامُ كالسراب ؟
وكيف أحيا خلف أوهام الرجاء؟
الصفحة 2 من 61