دَفْقٌ من النَّوح فوق الخدِّ منسكبُ ** أبكي على أمة حُطّت بها الرتبُ
هتانُ دمعيَ من ذا القلبِ منبعُه ** حزناً على غادةٍ لم يجدِها الحسَبُ
لم يبقَ للذلِّ من حظٍّ ليجعلَها ** في آخرِ الرَّكْبِ قد غاصَتْ بها الرُّكَبُ
تاريخُها صورةٌ حُسنى، وحاضرُها ** بيتُ العناكبِ واهٍ ساقطٌ خرِبُ
حلّ الفجورُ بها والفِسقُ وانتشرتْ ** مَعاولُ الهدمِ والتخوينُ والرِّيبُ
ضاعَ الشبابُ وصارَ الدِّينُ جوهرُه ** تقليدُ غربٍ وعمَّ اللهوُ والطربُ
في رثاء أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمه الله
قلبي تقطَّعَ في الأحزان، أعترفُ ** أبكي صباحاً مضى فالليلُ معتكِفُ
ودّعتُه وكأني قد فقدتُ أبي ** وفجّرَ الحزنُ نبعاً منه أغترِفُ
وقفتُ أصرخُ، لكن لا يجاوبني ** لقد مضى اليومَ، لا يبقى ولا يقفُ
أبكي أميراً ذوى، فالروحُ متعبةٌ ** والنفس مجهدةٌ، والقلبُ يرتجفُ
لولا كتابٌ مضى في عمره سلفاً ** قدمتُ روحيْ فداءً ما به أسفُ
هوَ ذا الكتابُ رسالةٌ وبيانُ
منْ فيضِهِ الأنوارُ والاحْسانُ
آياتُهُ وحروفُهُ بُرهانُ
للنّفْسِ في أفيائهِ اطْمئنانُ
كلماتُه للحائرينَ علامةٌ
ورُقىً بها يَسْتبصرُ العُميانُ
فيهِ المَلاذُ إذِ الهوى سُلْطانُ
وشفاءُ رحمتِهِ له عُنوانُ
فيه الرِّضَى والعهْدُ والعُمرانُ
وهو الهُدى والحقُّ والفُرقانُ
الذّائقُوهُ قِراهُمُ غُفْرانُ
لا خوفَ يُحزنُهمْ ولا خُذلانُ
آواهُمُ في لُطْفهِ الرحمنُ
وِجْدانُهم بلَذاذةٍ رَيّانُ
هو نفْخةٌ في القلبِ كالنَّفخِْ الذي
قد كانَ في بِدْءٍ بهِ الانسانُ
هو جنةٌ في الأرضِ، منه يُجْتنَى
زادُ التُّقى والأمنُ والايمانُ
هو جنةٌ ما حادَ عنه غيرُ منْ
كان الإمامَ لخطْوِهِ شيطانُ
دارُ السّلامِ مَحلُّ دعوتِهِ فمَنْ
لم يَستجبْ فمحلُّهُ خُسْرانُ
ما كانَ غرّكَ أيُّها الإنسانُ
باللهِ وهو الخالقُ الدّيّانُ
في رِثاءِ سُموِّ الشيخِ صُباح الأحمد الجَابر الصُّباح
لِمثلِكَ وَقفةُ الشّعرِ المديدِ ... فقدْرُكَ ليسَ يرفَعُه وُرُودي
ألمْ يبلُغْك ما خَطّتْ عُقودي ... لِدفّةِ سيّدِ الفّكْرِ السَّديدِ
رقيقُ الجَنْبِ ذُو أصْلٍ عَريقٍ ... سَليلُ العِزِّ مِنْ أرضِ الجُدودِ
يُذكِّرني صُباحُ الخَيرِ رُوحاً ... كوجهِ أبي فيَرسُمُه شُرودي
لو أن في زمني رجوعاً لانْقلبْتُ على الخطَطْ
وصبَغْتُ أيامَ البرا ءةِ بالشَّقاوةِ واللغَطْ
واخترتُ ما اشتهتِ الطفولةُ من حلاوتِها فقطْ
ولَهَوتُ فوقَ الرَّملِ بالألعابِ أو رَكْضاً ونَطّْ
وتركتُ ما قالَ المعلِّمُ: أنتَ في الغَدِ مُغتَبَطْ
اجْعلْ غداً لكَ غايةً واليومَ جِسْراً في الوسَطْ
واحْمِلْ إليه قلبَكَ الطمّاحَ بالصبْرِ انْضبَطْ
أذْكَى بقولتِه الخيالَ فما تهيّبْتُ الشَّطَطْ
وبقيتُ بالغدِ أحْتمي ولأجلهِ يومي سقَطْ
حتى إذا وافَى غَدِيْ أضحى له غداً الْمحَطّْ
يومي، غدٌ للأمس، أعْرضَ عن مكانته، هبَطْ
أمضيتُ عمري كلَّه أبغي غداً ما جاء قطّْ
وظللتُ ألهثُ ثم ألهثُ ثم ألْ... يا لَلعَبَطْ
حتى إذا جرْيِيْ وهَى والخطْوُ أثْقلَ أو ثبَطْ
وعلمتُ أن سِهامَ عُمْري كلَّها طاشتْ غلطْ
وعلمتُ أنَّ غداً مخادَعةٌ وتسويفٌ ومَطّْ
وعلمتُ أنَّ غداً خيالٌ كان في قولٍ وخطّْ
عادتْ عيوني كي تُدارِكَ ما بِحَيْرَتِها ارتبَطْ
فإذا الذي لاقَيْتُهُ أمسٌ غريقَ الدمعِ شَطّْ
ما بينَ آتٍ في غدٍ أو رائحٍ يومي انْفرَطْ
بيني وبيني يكثُرُ الجدَلُ
ما هذهِ الأحوالُ يا رجُلُ
ما هذهِ الأشعارُ تكتبُها
أبياتُها بالوجْدِ تشتعلُ
وكأنّ رأسَكَ رأْسُ ذي صِغَرٍ
مُتقحِّمٍ ما رَدَّهُ وجَلُ
تَستخرجُ الماضيْ وتكشفُه
والآخَرونَ لحَوْكَ أو عذلوا
فتُقلِّبُ الأوراقَ تسألُها
وتعيشُ فيها عِطرَ مَن رحلوا
وكأنّما ثبَتَ الزمانُ على
ماضيكَ ما لكَ عنه مُنتَقَلُ
وتسيرُ فيه ثُمَّ لا تَصلُ
لا خيبةٌ تُثْنيكَ لا مَللُ
الناس تُحكمُها بصائرُها
وأراكَ منفرِداً بكَ الغزَلُ
*************
ما شأنُ شَيبِ الشَّعْر في لهَفٍ
تشدو به روحٌ وتنفعلُ
الجَورُ للأبدانِ فتنتُها
والروحُ بالأبدان تُعتَقَلُ
والروحُ نفخُ اللهِ خالدةٌ
لا الدهرُ يُخْبِيْها ولا الأجَلُ
ما ضرَّ إنْ باحَ الفؤادُ وفي
نفَثاتهِ تتنفَّسُ الجُمَل
فيزول بعضٌ من هواجسهِ
وروابطُ الأغلالِ تنفصلُ
ويطيبُ مما كان يوْهنُهُ
ويخفُّ مِنْ كرُباتهِ ثِقَلُ
الوجدُ صوْتُ الروحِ منطلِقٌ
والروحُ لا يَرْزا بها عطَلُ
فعلى مَ تبقى الروحُ عانيةً
بعلامةِ الأجسادِ تَنخزِلُ؟
قل لها: مَن ذا يُداوي والِهاً
داؤهُ إلفٌ تناءَى والفراقُ
عِلّةُ الوالِهِ لا يُبرئُها
كَلِمٌ أو بَسْمةٌ أو اشْتياقُ
جمْرةٌ يَغلي بها القلبُ ولا
يتسلّاهُ بَنانٌ أو عِناقُ
قلْ: لها ذِكْرَى ورسْمٌ هامِسٌ
وهما للرّوحِ سُقْمٌ واحْتراقُ
فيهما تَسبحُ أنفاسٌ فإنْ
حَدّثا فالشَّجْوُ فيضٌ وانطلاقُ
فيهما عينانِ ما أخطأَتا
وشِفاهٌ وِرْدُها الخمْرُ العِتاقُ
يا لَيومٍ غَدُهُ آهٍ وكمْ
مرَّ بالخاطرِ والصَّبرُ اخْتناقُ
هل تذكّرتِ وقد طارَ بنا
نغَمٌ فيه لقلبَينا اتّفاقُ
أو مكانٌ سُرَّ فيه شملُنا
كطيورٍ لم يقيِّدْها رُِواقُ
أو ظلالٌ تتخطّى سيرَنا
أو رياضٌ أو طريقٌ أو زُقاقُ
يا جميلَ الوجهِ، في إقبالها
للنهاياتِ الشرايينُ تُساقُ
كنتِ تدرينَ وصارَ الافْتراقُ
فلماذا الوجَعُ الآنَ يُراقُ
الصفحة 4 من 69