باريس من الجادة الأولى إلى الجادة الخامسة والسبعين
صباح الخير ،
من الحيِّ اللاتيني إلى حيث السين وحيث فولتير وحيث شيراك الذي قدّم لنا أرض الملاذ ْ
صباح الخير أيتها الصديقة ،
أكتوبر فريد اليوم في ثلاثينه القلق، بيد أني أحمل لكِ يا باريسُ وأحملُ لتشرينكِ هذا تحية وقبلة عريضة، لا أدري إن كان فيها من النسب ما يجعلكِ اليوم بنتاً لعدنان وأختاً لقحطان وسيدةً أبهى من توشّحت بقيمة الإنسان،
لكِ من القدسِ أسواراً وكنائساً ، مساجداً وقناديلاً ، شوارعاً وأزقةً ، حماماً وحشرجاتٍ مختنقة ً في الحلوق والحناجرِ
ترى.. هل نغالي إذا قلنا: أن كثيرين قد وصلوا الآن إلى قناعة شبه كاملة بأن الولايات المتحدة الأمريكية باقية ـ لا محالة ـ كـ "قوة احتلال" عسكرية في العراق، على الأقل إلى مدى غير قليل(؟!).
هذه القناعة، شبه الكاملة، وإن كانت قد ساهمت في انتقال دفة الحديث، هذه الأيام، إلى كافة الاحتمالات المفتوحة، التي تسم المستقبل العراقي؛ وكذا، المستقبل السوداني، بعد الدفع الأمريكي في تصعيد أزمة دارفور على الساحة الدولية.. فهي، في الوقت نفسه، ساعدت على لفت النظر إلى سيناريوهات أخرى، تخص المستقبل الفلسطيني؛ وبالتحديد: بعد أن استطاع شارون "التملص" من سيطرة اليمين الديني الإسرائيلي، وضغوطاته عليه.
خيار مشاركة حركة حمس،في كل تركيبة حكومية مهما كان اللون الأيديولوجي لهذه الحكومة أو توجهاتها في مسألة القضايا الكبرى للأمة.أعطى انطباعا قويا لدى الرأي العام بأن هذه الحركة التي ولدت من رحم أزمة الشرعية وأزمة التيار الإسلامي الذي لا يزال ينزف بفعل الضربات المتتالية القاصمة،قد تجاوزها الزمن كحركة تستطيع أن تمثل التيار الإسلامي المعارض،أو حتى تستطيع أن تلعب دور المنقذ للشعب
ماذا وراء دار فور ؟
إنه سؤال الساعة بامتياز، ولفهم ما يحدث على نحو يجمع بين الدقة والعمق نحتاج للجمع بين نظرة النملة في تدقيقها التفاصيل وربطها الأسباب والمسببات على نحو يتصف بالبساطة والمباشرة، وبين نظرة الطائر في شمولها قدرتها على كشف ما وراء الآني والمباشر. فعلى المستوى المباشر لا أحد يستطيع إنكار وجود مشكلات سياسية عميقة تعانيها السودان ولدار فور منها نصيب كبير، وعلى مستوى التحليل المعرفي لا يستطيع تجاهل الخلفيات التي يحذر النظام السوداني من تداعياتها على المنطقة كلها، والاختبار الحقيقي للسودان النظام الرسمي العربي معا هو مدى القدرة على معالجة "الآني" المباشر معالجة سياسية تنزع فتيل "المزمن" الذي تعايشنا معه لعقود وتعاملنا معه دون تقدير لطبيعته كجبل جليد ضخم يختفي تحت الماء وما يبدو منه على السطح ليس إلا قمته الطافية وهي صغيرة!
بعد الاستماع للمناظرتين بين الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ومرشح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمركية للولاية الثانية والمرشح الديموقراطي السناتور جون كيري وكذلك المناظرة بين نائب الرئيس الحالي ديك تشيني والسيناتور جون إدواردز نائب الرئيس المرشح، لا يسع المراقب إلا أن يتساءل عن الفرق بين الجمهوريين والديموقراطيين في جميع المسائل المطروحة وخاصة ما يخص السياسة الخارجية. هل سياسات ومبادئ كل حزب ثابتة أو متغيرة بتغير المرشحين للرئاسة؟ وهل هناك فرق جوهري بين سياسات ومبادئ الحزبين؟
قبل أسبوعين كنت ضيف قناة النيل للأخبار الفضائية المصرية لمناقشة التصريح الذي أدلى به رئيس الأركان الإسرائيلي عن إمكان انسحاب إسرائيل من الجولان وقد طرحت رؤية لهذا التوجه الإسرائيلي بدت غير مألوفة غير أن الأحداث أكدت صحتها. فالتصريح الإسرائيلي جزء من مخطط ديبلوماسي كبير لإحراز اختراق على الجبهة السورية اللبنانية وهو متسق مع استراتيجية صهيونية تقوم على تصدير صورتها للغرب بوصفها "فيلا وسط الأحراش" تسعى للوصول لتسوية سلمية وسط محيط يصر على القضاء عليها نهائيا.
منعطف تاريخي بكل معنى الكلمة هذا الذي تمر به المنطقة العربية ليس فقط لوجود دولة عربية تحتلها قوى عسكرية غربية في مشهد لم يتكرر منذ عقود بل لأن هذه القوات العسكرية جزء من رؤية فكرية شاملة أصبحت المنطقة كلها في مواجهتها دون أن تكون مستعدة لهذه المواجهة ، والمشكلة في أصلها مشكلة رؤية الذات العربية لنفسها وللعالم ولم يعد تأجيل الاستحقاقات ممكنا بعد هذا المنعطف ، أو هكذا يبدو .