هذه المعادلة الرياضية اكتشفتها وأتقنتها في كلية العلوم في جامعة دمشق قبل ثلاثين عاما، نفس الكلية التي خرج طلابها يوم الاثنين الماضي يهتفون للحرية، وبأن الشعب السوري واحد، فأبى النظام الذي يخوفنا بالطائفية والانقسام إلا ان يُضرج الحرم الجامعي بدمائهم. أعادتني صور بطولتهم الخارقة - وكذلك إخوانهم في كلية الآداب في جامعة حلب- إلى أيامنا التي حفلت بحادثات جلل كانت الجامعة فيها أرض كرّ وفرّ وحصار وهجوم مسلح وتفتيش واعتقالات واغتيالات، تعلمنا بعدها هذه المعادلة التي تختصر صورة وطن مذبوح مختطف ، معادلة ترسم معالم قدرتنا على الاستمرار في محاولاتنا قرع باب الحرية، كما هي محاولات هذا الجيل الذي قُمِع بنفس الأساليب.
ما إن انتهى الشارع الاردني من أحداث الجمعة قبل الماضية حتى وجد الكتاب في الصحف المحلية فرصة جديدة للكتابة !! هكذا نحن دائماً ،، لا نكتب ولا تفيض أوراقنا بالأحبار إلا إن وجدنا ما يثير أنفسنا والأنا داخلنا ،، ولم نعلم أبداً أننا نحيك اثواب ثقافة المستعمر ،، لنلبسها بعد كل جولة ونزدهي بها والعالم من حولنا يشهد صراعاتنا الداخلية متأملاً اتساعها لتتفجر بعد ذلك ثورة تجتاح كل البلاد ويتسلل بدوره ليهنأ بالكثير من الصلاحيات التي يمنحها لنفسه !!
مشاعر مختلفة ومضطربة تجتاح المرء، وهو يرى احتفال بنغازي بقرار مجلس الأمن تطبيق الحظر الجوي اخيرا على ليبيا بشروطه وملابساته، بعد أن منح "المجتمع الدولي" النظام في ليبيا شهرا، ليحاول استعادة سيطرته على الدولة والشعب، لكن صمود الثوار الليبيين وعزمهم وتصميمهم، حال دون أن يستطيع القذافي وأبناءه استعادة أمجاده الواهية، وإحكام السيطرة من جديد على شعب كان قد نهب ثرواته الهائلة، وسامه سوء الذل والعذاب .
الحديث عن جامعة الدول العربية ذو شجون وأشجان. بداية فهذه الجامعة لم تكن في الحقيقة إلا من بنات أفكار الاستعمار البريطاني الذي فرضها على الأنظمة العربية آنذاك كبديل مسخ لمؤسسة وحدة عربية قومية حقيقية. وليس تجنٍّ عليها ولا خروجاً عن جادة الصواب القول بأنها كرست روح الاستقلالية في إطار سيادات قطرية ضيقة مستقلة عن بعضها ضمن حدود مصطنعة باركتها هذه الأنظمة، وعملت على الحفاظ عليها والدفاع عنها، وخاضت على شرفها نزاعات وصراعات مع من يفترض أنهم أشقاء وأبناء جلدة واحدة، ويؤمنون بالوحدة العربية الكبرى.
من البحرين إلى الرباط، مرورا بالرياض والكويت والدوحة وعمان وصنعاء ودمشق وبيروت والخرطوم والجزائر ونواكشوط وأسمرة، تتسمر العيون على مايجري في مدن ليبيا، وشوارعها، وساحاتها، ومستشفياتها، وعلى حدودها الغربية مع تونس، يحبس الجميع أنفاسهم بانتظار الفصل في هذه المعركة غير المتكافئة، وهذه الحرب غير الشريفة التي يشنها نظام "جماهيري"، "شعبي"، "اشتراكي"، على شعب تجرأ بعد أربعين عاما أن يرفع درجة اعتراضه وثورته إلى العصيان المدني، بعد أن أعيته الحيل مع هذا النظام الموميائي الذي بلغت أكاذيبه أقاصي الأرض وطبقت دعاواه وخيانته وحماقاته الآفاق، يحكم ويتحكم بشعب ضعيف مختطف عن طريق أذرعته الاخطبوطية الثمانية، الذين لايستحون من الخروج على العالم للتحدث باسم جماهيرية أبيهم العظمى، وكأن انتسابهم إليه يمنحهم الشرعية المطلقة في حكم البلاد ونهب العباد، وفي أي دولة ؟ دولة الشعبيات، وحكم الشعب..الذي لاوجود له إلا في مهرجانات التطبيل والتزمير للحاكم الفرد، والرقص والغناء "الأهبلين" – من اعلُ هُبل، وليس من الهَبَل بالاستعمال الشعبي للكلمة - في حفلات النفاق الجنوني المطبق، في حضرة الذبح المسلط على الأعناق، وشراء الذمم رخيصة في سوق نخاسة الهوان الإنساني، التي يبيع فيها الإنسان نفسه ووطنه وشعبه وإيمانه وحريته وكرامته بحفنة من ماله المنهوب !
ماذا تفعل عزيزى القارئ عندما تكتشف فجأة أنك كنت " مستغفلاً " من قبل وسيلة اعلامية ما وثقت بها، واعتمدتها مصدراً آمناً تستقي منه الأخبار، والتقارير..إلخ، بينما كان رئيس تحريرها لديه أجندة خاصة، وأنت بالنسبة إليه مجرد " بزنس " يضعك فى جيبه بعد أن يضلل وعيك؟!
وماذا تفعل إذا اكتشفت فجأة وأنت كاتب أو صحفي لديك فكر ومبدأ وذهبت وأنت بكامل قواك العقلية للعمل فى جريدة أو وسيلة اعلامية ما بدت تتوافق وما تؤمن به، ثم يتضح لك وبمحض الصدفة أن رئيس تحرير الوسيلة كانت لديه سياسة أخرى "غير معلنة " تتعارض وما تؤمن به، وأنه استخدمك لتنفيذها؟!
ركزوا رفاتك في الرمال يا ويحهم
يوحي إلى جيل الغد البغضاء
كان ذلك البيت الشهير من مطلع قصيدة لأمير الشعراء شوقي يرثي شيخ المجاهدين عمر المختار بعد أن شنقته السلطات الاستعمارية الإيطالية جزاء له على تمرده عليها وإبائه الضيم والعبودية بالثورة على الجلاد إيثارا للحرية والكرامة.
شيخ المجاهدين الذي استشهد وهو شيخ طاعن في السن لم تشفع له شيخوخته في أن ينال حكما مخففا – وما كان يريده- وكيف يريده وهو سليل أمة مجاهدة أنجبت خالدا ويوسف العظمة والأمير عبد القادر وعبد الكريم الخطابي وغيرهم؟أولئك الذين قاوموا الظلم والاستبداد وارتضوا حياة العزة والكرامة لشعوبهم.
واليوم يواصل أحفاد عمر المختار في بنغازي وأجدابيا والبيضاء وطرابلس وكل شبر من التراب الليبي ثورته على الزيف والغطرسة والاستبداد وعهود الظلام والتحجر.
إنهم فتية آمنوا بربهم وقدموا أرواحهم رخيصة فداء لحرية الوطن ، شباب في عمر الزهور وميعة الصبا:
بهروا الدنيا وما في أيديهم غير الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة
الصفحة 12 من 104