لطالما إشتهرت مصر بإستتباب الأمن ووجود الأمان فيها عبر قرون من الزمان بجذور ضاربة فى عمق التاريخ المصرى والإنسانى منذ آلاف السنين.
فدائماً ماكان الأمن والسلم والتضامن الإجتماعى سمة أساسيًة، وصفة جوهرية تميًز بها مجتمعنا فى جميع الأوقات، بل وفى أحلك الظروف والأزمات التى مررْنا بها.
فحين أعودُ بذاكرتى إلى الوراء متذكراً كارثة الزلزال المروًعة التى حلًت بمصر فى عام 1992, وكنت لم أتجاوز العقد الأول من العمر وقتها؛ أسترجعُ ما حدث للمواطنين من قسوة المعاناة بعد إنهيار منازلهم وضياع أمتعتهم، وإفتقاد ذويهم تحت أنقاض البنايات المحطمة، وتشرد قطاع عريض منهم مما ساق كثير من الأسر والعائلات إلى إفتراش الشوارع والميادين العامة بل واللجوء إلى المقابر فى بعض الحالات، بحثاً عن الأمان والإستقرار المفقود بعد الكارثة.
ما من شك أن ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر قد أحدثت تغييرًا كبيرًا -وإن لم يكتمل بعد-، بل وانقلابًا فى المفاهيم العامة للسياسة وإصطلاحاتها المعروفة لدى الساسة المخضرمين محترفى اللعب بالألفاظ من أجل توجيه الرأي العام إلى ما يصبون إليه من أفكار لحساب مآربهم الخاصة وغير المعلنة. من يتصور أن الثورة قد انتهت أو أن ما تم إنجازه هو ذروة ما يمكن لها أن تحققه؛ فهو واهم وغير مدرك تمامًا لما يطفو على سطح المشهد السياسي والاجتماعي في الشارع الآن، والذي يمكّن لمن لديه ولو قليلاً من القدرة على قراءة المشهد الراهن واستقراء الأوضاع، وإلقاء نظرة سريعة على التاريخ الثوري للشعب المصري، وماذا كان يفعل بمن كان يستبيح حقوقه عند نفاد صبره المعهود.
الساحة العربية في حالة غليان واضطرابات مقلقة .وكأنّها على بركان حانق ,لايعرف الخمود , أو استيقظ بعد نوم مديدعلى جنباتها التي أدمنت الثبات والسّبات.استيقظ ليقذف حممَه فوق ملايين العرب وأسرّتهم التي ضجرت من ركونهم,لقد استولت عليهم الغفلة ولعقود وقرون طالت , استسلموا فيها للتّنظير والبكاء على الماضي والتغنّي به . راحوا فيها بعيدا بحثا عن آراء وخلافات ولّدت اختلافات زعزعت العقل الذي أصبح معتقلا . ليت النقاش والخلاف والتنظير ولّد أو أنجب حالات فاعلة منتجة ومنشّطة , فقد انعكست الحالة وتحوّلت إلى صيغة قاسية وأحكام قطعيّة جائرة من تكفير وتخوين وزندقة وعمالة وآخرها الإرهاب والسّلفية .كلّ هذا دون تأكّد ودون دراية لطبيعة هذه التّهم وما تجرّ على المجتع, وذاكرة أبنائه الذين اكتفوا بعناوين الصّحف والأخبار ورؤوس الموضوعات , فأنتجوا ثقافة الخبر المتداول . واحترق معنويّا وحقيقةً الكثيرون ممّن ظنوا المناخات مناسبة ومعافاة وحدّث عن النتائج ..
في آخر خطاب له قبل أيام معدودة بحضور رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، صال جال بنيامين نتنياههو كعادته شارحا منظوره لحل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يقوم أساسا على استبقاء الإستيطان الذي دافع عن مستوطنيه نافيا عنهم صفة المحتلين، وملصقا بهم صفة المواطنين الأصليين.
واستمرارا رفض أي حل قائم على الرجوع إلى حدود ما قبل الخامس من حزيران/ يونيو 1967، ومصرا على أن تظل القدس عاصمة الكيان الإسرائيلي، إضافة إلى منظوره المتمثل في رفض حق العودة.
وكان قد خاطب مؤخرا مجلس الكونجرس الأميركي، مكررا لاءاته المتطرفة برفضه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وبرفضه أن تكون القدس عاصمة لفلسطين، أو أن تنسحب قواته المحتلة إلى ما وراء خطوط الخامس من حزيران/يونيو، أو أن يفكك تلك المستوطنات التي أقيمت اغتصابا على الأراضي الفلسطينية.
صادف الأسبوع الماضي ذكرى يوم النكسة العربية في تاريخ 5-حزيران – 1967 ، وبالتالي نتوقف اليوم الثلاثاء مع تأملات بهذا الشأن الكبير الذي خسرنا فيه فلسطين كاملة وأجزاءً من مصر وسوريا والأردن.
- لكل شيء صورتان ، فهذا اليوم بالنسبة لنا نحن العرب نكسة وهزيمة وهو بالنسبة للصهيونية يوم عزة وفخر وانتصار...أقول هذا كي نتذكر في أيام انتصاراتنا أن هناك أيام ذل أيضاً مررنا بها وعلينا تجنبها وعدم الرقص على ماضي الانتصارات فقط.
- حسب كافة التقارير الاستخباراتية العربية التي تخرج فإن خسارة الحرب لم تكن بسبب أمريكا ولا قوة إسرائيل ، لكن بسبب ظننا السيء ببعضنا البعض فكم من تقرير أكد معرفة موعد الهجوم وطريقته من مصادر مختلفة لكن عدم الرغبة بالتصديق جعلنا نخسر كل شيء.... تقول الحكمة : " دائماً اسأل ماذا سأخسر لو صدقت الكاذب ، فبعض كذبه صدق!!".
أربعة وأربعون حزيرانا مرت على أول حزيران منذ العام 1967، وما زال حزيران نفقا طويلا مظلما، لا يلوح بصيص نور في آخره. أربعة وأربعون حزيرانا تفرز أحشاؤها كل يوم مزيدا من السطور الكئيبة على صفحات تاريخ النكبة الفلسطينية، هذه النكبة التي دخل الفلسطينيون عامها الرابع والستين.
واذا كان الخامس عشر من أيار/مايو 1948 قد ألقى بظلاله القاتمة على الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، فقد جاء حزيران بعد تسعة عشر عاما ليفرز تداعياته المستدامة على مجمل الحياة العربية، ولتصبح أسيرتها بصورة أو بأخرى.
أربعة وأربعون عاما منذ أن دخل هذا الحزيران أجندة القضية الفلسطينية وشكل واحدا من أخطر مفترقاتها. هو في حكم الزمن ماض، إلا أن هذا الماضي ما زال حاضرا حتى اللحظة الراهنة وعلى ما يبدو إلى ما بعدها.
يحيي الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل وفي الشتات الذكرى السنوية الثالثة والستين لنكبته التي ما زالت تعايشه، وتستوطن حنايا ذاكرته، وكل تضاريس وجدانه وأحاسيسه. وقد يظن البعض أن النكبة الفلسطينية محصورة في اليوم الخامس عشر من شهر أيار/مايو 1948.
حقيقة الأمر أن هذا اليوم في التاريخ الفلسطيني الحديث قد أصبح عنوانا ومدخلا إلى النكبة الفلسطينية التي ابتدأت فعليا قبل هذا التاريخ، و هي لم تقف عنده، وتجاوزته بتداعيات وإفرازات كارثية، أضيفت الى سجلها طيلة ما تبقى من القرن العشرين المنصرم، لتدخل القرن الحادي والعشرين وما زالت مفتوحة على المزيد من المآسي.
يمكن القول إن الإعداد للنكبة الفلسطينية، قد بدأ في نهايات القرن التاسع عشر وتحديدا في العام 1897. إلا أن العام 1917 وهو العام الذي أصدرت فيه حكومة بريطانيا العظمى على لسان وزير خارجيتها آنذاك اللورد بلفور وعده المشؤوم في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر لذلك العام، فقرع بذلك أجراس النكبة الفلسطينية التي ما زالت تقرع حتى الساعة.
الصفحة 11 من 104