تستحكم السنن في حياة البشر حتى تصبح عادات لا يتخلى عنها حتى المتألمون منها ! والإسلام في بصيرته النافذة ونفاذه المتدفق إلى نفوس أتباعه يضع لهذه السنن إشارات ضوئية تُضئ المعتم منها وتجعله مبعث دواء وإن لم يقضي على الداء . في الترغيب والترهيب لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم " لا قدست أمة لا يعطى الضعيف حقه غير متعتع " صححه الألباني وغير متعتع: أي من غير أن يُصيبه قلق أو أذىً أو ضرر .
هذه كلمة كتبتها قبل سنوات قليلة، ورأيت أن أُعدِّل فيها وأبدِّل كي ينتظم سطرها ومعناها مع ما نحن فيه اليوم من ثائرة وثورات، إلا أنني وبعد تردد اخترت أن أسوقها كما قلتها أول مرة، فإليكَها نقلاً من غير تغيير:
لقد أراد الله أن يكون هذا الخلق فكان، وأراد أن تحيا هذه النفوس إلى أجل مسمى فقدَّر خلقها وقدر آجالها، فمن اعتدى على نفسٍ خلقها الله - ولا خالق غيره - فلا شك أنه ظالم لنفسه مرتكبٌ جرمًا عظيمًا قد يخلِّده في نار جهنم، ومن أظلم ممن اعتدى على حق من حقوق اللهِ فاجترأ عليه وحارب الله في إرادته وتقديره؟
أكان داوود قتل جالوت؟ إن احتقاناً تعانيه أمة الإسلام يملأ رأسها أبخرة في دلالة قاطعة على تهيج لأغشية السلامة لديها يبشر بعاصفة عطسية متواصلة يُطلقها أنفها المزكوم لطرد ما علق بداخله من مثيرات! وفي كتاب الله الكريم نماذج لأوضاع متشابهة يمكن إسقاط واقع الأمة عليها والاستفادة من حلوله المتقنة للتعامل مع النفوس وفق سنن الله سبحانه وتعالى ومنها قوله تعالى في وصف لحالة من الحالات التي مرت ببني إسرائيل.
إن رحمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقف وحدها معجزة.. وليس أدل على ذلك من ذهابه ماشيًا على قدميه إلى الطائف التى تبعد عن مكة حوالى تسعين كيلو مترًا بعد وفاة عمه، فى شوال من السنة العاشرة من البعثة، ومعه مولاه زيد بن حارثة؛ ليدعو قبائلها إلى الإسلام، وهم لا يستجيبون له، وما كان من موقف سادة ثقيف وأشرافهم معه من رفضهم دعوته، ويأسه -صلى الله عليه وسلم- من خبرهم.
أقام صلى الله عليه وسلم بالطائف عشرة أيام يدعو أشرافها وأهلها إلى الاسلام حتى جابهوه قائلين: (اخرج من بلادنا)، وأغروا به سفهاءهموعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، وقد قعدوا له صفين على طريق خروجه، فأخذوا بأيديهم الحجارة، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا
في قصة نبي الله يوسف عليه السلام الكثير مما يُتذكر ويُذكر. هنا لمحات عن نساء كنّ حوله، نساء مختلفات، كنّ {... طرائق قددا}، منهن الصالحات، ومنهن دون ذلك.
أم يوسف، أين أنت؟
نجد غيابا شبه تام للأم في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- في القرآن الكريم رغم أن الأم أكثر من يُفجع بغياب الابن. لكن هذا لا يعني أنها لم تكن موجودة، بل التركيز في السورة كان على الأب وعاطفته وأمله ورجائه في أن يكون ابنه نبيا مثله، وترقبه للزرع أن يستوي، وللثمر أن يينع فينطلق بذكر الله والدعوة له. ويعقوب -عليه السلام- في سورة يوسف لا نراه أبا فقط، بل نراه نبيا يعول على استمرار النبوة من بعده. فالسورة لم تذكره فجيعته كي توثّق ألمه وحزنه على فقد ابنه، بل لتوثق فجيعة شخص رباني يتوجع لفقد فرصة لإصلاح البشرية وتنويرها.
قال الأصمعي لصبي تبدو عليه مخايل الذكاء: أيسرك لو أن لك مائة ألف درهم وأنك أحمق؟ قال الصبي: لا. قال الأصمعي: ولم؟ قال الصبي: لأني لا آمن أن يجني علي حمقى جناية أضيع فيها هذا المال، ويبقى علي حمقي.
يعد الاهتمام برعاية الطفل وتنشئته أمر حيوي تحرص عليه الأمم في معرض تطلعها لمستقبل أفضل تشكل فيه التنمية البشرية المحور الرئيسي للنهوض بشتى مجالات التنمية والثروة الحقيقية لهذه الأمم فبقدر الإعداد السليم لهذه الشريحة من المجتمع يكون المتوقع منها النهضة فتحقق لهذه الأمة أمنياتها في التحديات التي تواجهها وكثيرًا ما يتردد على الأسماع أن أطفال اليوم هم شباب ورجال الغد، فكيف رعى الإسلام هذه الفئة من المجتمع ومتى بدأت رعايته لها؟
في سورة واحدة، يظهر سؤالان يعلّمان الناس كيف يكون السؤال. سؤال مشروع لا تثريب عليه، وسؤال آخر هو عين الخطأ والاعتداء. في سورة البقرة نقرأ سؤال الملائكة، ونقرأ أيضا أسئلة بني إسرائيل.
عجيب جدا أن نعرف أن الملائكة المجبولة على الطاعة وعدم المعصية تتعجب فتسأل الله تعالى عن جعل آدم خليفة في الأرض. وجميل جدا أن الله تعالى لم ينهرها، ولم يعاقبها، و لم يتجاهل سؤالها، بل رد عليها ردا عمليا مفصلا. حين أبدى لها كيف أن آدم مهيّأ بالمعرفة {وعلم آدم الأسماء كلها ...} التي تؤهله للخلافة.
وفي مكان آخر من السورة الشريفة، نجد سؤالا، أو بعبارة أدق السلسلة السؤالية التي صاغها بنو إسرائيل. سألوا، وسألوا، وسألوا. وأمهلهم الله ليمعنوا في السؤال ولم ينكر عليهم. تركهم ليضيقوا على أنفسهم بأنفسهم.
سؤال الملائكة كان سؤالا نبيلا، سؤالا استفساريا مشروعا. قد يبدو للعقل غير الخبير أنه سؤال ينم عن طمع، وحاشا أن يكون هذا من صفات الملائكة. لكن المنطق هو الذي فرض المقارنة بين الإنسان المعرض للمعصية وبين الملائكة التي لا تعصي ولا تستطيع ذلك. وإزاء هذا السؤال، أجاب الله وخلّد الموقف في القرآن ليعرف بنو آدم أن لا غضاضة من سؤال الملائكة، فما بالك بالبشر الذين يملكون النجدين؛ الطاعة والمعصية، بعكس الملائكة المجبولين على السير في طريق الطاعة وحده.
أما سؤال بني إسرائيل فكان سؤالا تنصليا، سؤال جدال ومراء و"شراء وقت"، كان محاولة لتمييع الموقف خوفا من كشف الحقيقة. فأخذوا يسألون ويسألون عن صفات البقرة، أملا في أن يتعذر إيجادها أو يتغير سير الأحداث إلى سيناريو أقل حدة من إحياء الميت وتوريط الجاني وأدانته إدانة تامة. كيف تعامل معهم الله تعالى؟ لم يقرعهم، ولم ينبههم أن يذبحوا أي بقرة وأن يتوقفوا عن الأسئلة، بل أمهلهم ليستدرجهم إلى تلك البقرة النادرة العزيزة التي كلفتهم مبلغا طائلا جعلهم يترددون في ذبحها حتى بعد أن وجدوها {... فذبحوها وما كادوا يفعلون}.
الصفحة 11 من 17