أرضية المسرح خالية، بلا ستائر تغلقها، مظلمة، إلا من بقعة ضوء دائرية تتوسط المكان، لا توجد موسيقي ولا أي شيء يوحي بأن هناك عرضًا مسرحيًّا يوشك على البدء، الصمت والسكون يسيطران على كامل الأجواء.
يظهر من جانبي المسرح شخصان متقابلان يمشي كل منهما باتجاه الآخر بآلية في طريق مستقيم لبقعة الضوء التي تقع بينهما، يتوقفان عن السير فجأة، وينحنيان، ولكن ليس في مواجهة المشاهدين أمامهما، بل كل واحد منهما في اتجاه الآخر.
القادم من اليمين يرتدي ملابس بيضاء تمامًا حتي قبعته وقفازاته بيضاء اللون، وجهه فقط هو الذي يظهر بالكاد بلونه الطبيعي وملامحه العادية، أما الآخر القادم من اليسار فمثله تمامًا، مع اختلاف أنه يرتدي السواد.
يكملان السير ويقفان مباشرة عند حدود بقعة الضوء الدائرية، كل منهما في مواجهة الآخر، تحجب قبعتاهما سقوط الضوء المباشر علي وجهيهما، فلا يلاحظ من ملامحهما إلا بقع ضوء غير مباشرة وظلال معتمة، ليزداد موقفهما غموضًا!
الأبيض: أهلا بك .
الأسود: (محتجًّا) لماذا بدأت أنت الحديث أولا؟!
يمكننا التعرف على الفن الإسلامي بوجه عام من خلال تلك التصاميم الزخرفية والهندسية والفنية التطبيقية التي نشأت وتطورت وسادت في جميع المناطق والبلدان التي دخلها الإسلام وحكمها المسلمون، والممتدة - في القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا- من شبه القارة الهندية والمحيط الهندي وتخوم الصين شرقا إلى الأندلس والمحيط الأطلسي غربا، وكان مولد هذا الفن في القرنين السابع والثامن الميلاديين (ق1و2هـ) معتمدا على فنون الحضارات السابقة وعلى رأسها الساسانية والبيزنطية والهلينستية، ثم نما وبلغ درجة الإبداع ونضجت شخصيته الإسلامية ووضحت مميزاته وخصائصه المميزة والفريدة خلال القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادية (ق2و3و4هـ)، ثم ترعرع وبلغ عنفوانه خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين (ق7و8هـ)، ثم دب إليه الضعف والهرم منذ القرن الثامن عشر الميلادي (ق11هـ) بعد أن تأثر الفنانون والصناع في ديار الإسلام بمنتجات الفنون الأوربية خلال عصر نهضتها.
كثيرٌ من الناس يخدعهم الاسم. فحينما يقال إنّ فلانا ينتمي إلى المدرسة الرومانسية أو تأثر بالاتجاه الرومانسي في الأدب، يظنّه البعض كاتبا متخصصا حصرًا في قصص الحب والغراميات. وكم تكون صدمتهم عظيمة حين يعلمون أنّ أتباع المدرسة الرومانسية هم ثُوَّار الأدب! الرومانسيون (أو الابتداعيون كما يسميهم البعض) تحرّكهم الفردية، والذاتية، والخيال، والوجدان. الرومانسيون نادرا ما يعبؤون بالشكل التقليدي للصنف الأدبي الذي يكتبونه، بل يميلون للتجريب والخروج عن القاعدة، فهذا جزء من تكوينهم الثوري. الرومانسيون حالمون، توّاقون للماضي، على صراع دائم مع المجتمع، ببساطة لأن المجتمع يسعى لتقويض أهم ما يميزهم: الذاتية. هم قوم يأبون أن يكونوا نُسخا من القطيع. ونظرا لطبيعتهم الحالمة والمشبعة بالوجدان، نجد الطبيعةَ تعني لهم الكثير، لكن بطريقة مختلفة عن السائد. فالأديب الكلاسيكي (المدرسة الإتباعية) يتعزل بالطبيعة وروعتها، بينما نجد الأديب الرومانسي يؤنسن الطبيعة. ومن المفارقات أنه رغم طبيعة الرومانسيين الحالمة التي تخدع الناس فيظنون أنهم قوم مسالمون، نجدهم في صراع مع المجتمع، وتعتريهم نزعات ثورية ساخطة، مشبعة بالعاطفة المضطربة أحيانا!
يوم "فالنتاين" مناسبة تعامل الزهور بطقسية قطيعية باعتبارها أفضل تعبير عن الرومانسية. لن نغوص في الأسباب التاريخية والنفسية التي جعلت البشر يرون أن الزهور لها هذه القوة التعبيرية، بل فلنرَ كيف يرى اثنين من الأدباء الذين طالتهم النزعة الرومانسية، كيف يرون هذا الأمر، أي قطفَ الزهور وإهداءها.
مقدمة:
إن علم اللسانيات علم حديث أخذ يشق طريقة في مطلع القرن الماضي بين زحمة العلوم الإنسانية حتى كاد أن يكون في طليعتها وما ذاك إلا لأن موضوعه اللغة, هي ظاهرة فكرية تتصل بالبشر اتصالا وثيقا في كل زمان ومكان بل هي إحدى خصائصهم, وهي التي تميزهم عن غيرهم من المخلوقات, قد نظر هذا القلم إليها نظرات تختلف عما ألفه الناس من أمرها إذ عدها ظاهرة طبيعية تخضع إليه الظواهر الطبيعية الأخرى من اختيار علمي ورأى أن الإشارة اللسانية لا ترتبط بينها وبين ما تشير إليه أي رابط, بل هي تجمع الفكرة أو المفهوم الذهني والتعبير الصوتي عنه, كما أن علاقة الدال بالمدلول إنما هي العلاقة اعتباطية إصلاحية عرفية وضعت باتفاق أفراد أمة ما يستعملون اللغة أداة للتواصل والتفاهم الاجتماعي.
قال أحد أقطاب هذا العلم: إنها مجموعة من العلاقات تحكمها مجموعة من العلاقات وأن معنى الكلام بلغة ما ليس حاصلا من اجتماع معني المفردات فحسب بل يحصل أيضا أن النمط الذي تنتظم فيه هذه المفردات في الجملة اللغوية حسب قواعد محددة إلى غير ذلك من النظريات والأقوال.
وما أتي يد هذا العلم الجديد لم يكن موضع تسليم مطلق من قبل علماء اللغة إذ لم تزل نظرياته موضع نقاش ودراسة, بل إن " تمشوسكي" وهو أحد أقطاب هذا العلم عدل بعضا من أرائه اللغوية مع هذا فإن علم اللسانيات لم يقل ما يريد قوله, ولم يصل بعد إلى ما يبغي الوصول إليه فإنه لفت الأنظار إليه ورأى فيه بعض الباحثين واللغويين جدة وشمولية كمستحقات الاهتمام, فانطلقوا يشيدون بمنجزاته ويهتمون بنظرياته ويعتقدون المؤتمرات والدورات والندوات للتعريف بهذا العلم الحديث وإطلاع من جهة أمر اللغة على ماجد من شؤونه وما سار من خطوات في سبيل الوصول إلى غايته المنشودة.
حتى لا نصبح عالة على الأدب الشعر علينا أن نحصل على إجازة فيه مثله مثل أي إجازة في دراسة فرع من فروع المعرفة، فنحن نحرص على الحصول على إجازة نعمل بموجبها ونأكل (عيشاً)، ولكننا لا نحرص على حصولنا على الإجازة نفسها عندما نمارس الكتابة نثراً أو شعراً، فيصبح الشعر والأدب عامة لدينا مثل العمل التطوعي بمفهومنا نحن طبعاً، إن فعلته فخير على خير وإن لم تفعله فليس هناك مقابل مادي أصلاً، وما قدمته كثير حتى لو كان قليلاً، وهذا مفهوم خاطئ للعمل التطوعي وممارسة شنيعة بحق الأدب أيضاً، فإما أن تهب له النفيس من الوقت والجهد، وإما أن تنصرف عنه وتتركه لسواك ..فلذلك ترد نماذج كثيرة هي أحوج ما تكون إلى التنقيح والمراجعة والتعديل، وأحوج ما يكون أصحابها إلى الدربة والمراس، وليس ذلك تقليلاً من شأنهم فالناس إما عالم أو متعلم، وأما الصنف الثالث فلا مصلحة لنا بذكره هنا، ومن أراد الاستزادة من ذلك فعليه مراجعة ما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القول في هذا الباب.
لقد كانت الفلسفة الهندوسية والأدب الكلاسيكي في الهند يُكتبان باللغة السنسكريتية والتي كانت قد أُهملت منذ زمن طويل، ولكنها عاشت لتكون لغة للعلماء الذين لا تربطهم لغة مشتركة أخرى. ولما كانت هذه اللغة الأدبية بعيدة الاتصال بحياة الأمة، فقد أصبحت نموذجاً يُحتذي به لمن أراد أن يكون اسكولائي التفكير أو مهذب اللسان. وفي حوالي القرن الخامس قبل الميلاد استطاع عامة الناس في شمال الهند أن يحرروا السنسكريتية إلى براكريتية، فأصبحت اللغة البراكريتية حيناً من الدهر لغة البوذية والجانتية. ولبثت كذلك حتى تطورت بدورها إلى اللغة الباليّة التي كُتب بها أقدم ما هبط إلينا من الأدب البوذي، وفي نهايات القرن العاشر الميلادي كان قد تولّد عن هذه اللغات التي شهدتها الهند لهجات مختلفة كان أهمها اللغة الهندية، ثم ولدت هذه اللغة بدورها في القرن الثاني عشر الميلادي اللغة الهندستانية "الهندو" التي باتت لغة الشمال، وأخيراً جاء الفاتحون المسلمون وملاأوا الهندستانية بألفاظ فارسية فكونوا بذلك لهجة جديدة هي اللهجة الأردية؛ وهذه كلها لغات هندية جرمانية انحصرت في الهندستان (شمال الهند). أما الدكن في الجنوب فقد احتفظت بلغاتها الدرافيدية القديمة وهي "التاميل" و"التلجو" و"الكانارية" و"الملايالام".
في ذلك اليوم الصيفي، حيث وصلت الكآبة حدَّها الأقصى، استيقظت بثقل وجعلتُ أتأمّل النقوش على حاشية السقف في غرفتي في الفندق. كانت تلك طريقتي للتهرب من اليوم الممل الذي ينتظرني في رحلة إلى مدينة عربية استهلاكية لا تناسبني، ولا يهم ذكر اسمها هنا.
رنوت إلى السقف، "زخرفة إسلامية"، قلت لنفسي. نفسي الضجِرة التي كانت تبحث عن طريقة تمضي بها الوقت. وبدأت حفلة الأسئلة في رأسي!
- عزيزتي نفسي، كيف ولدت الزخرفة الإسلامية؟
- من أبوين مسلمين!
- لا، لا، هذا ليس أوان الاستظراف! كيف يمكنك الهزل في ظرف كئيب كهذا؟
الصفحة 2 من 45