عندما وضع ابن خلدون أسس علم الاجتماع وضع – دون أن يدري – أسس "علم المستقبليات"، فمحاولة تجريد قواعد للعمران البشري كانت تعني بالضرورة اضطراد بعضها على نحو يتسم يقدر من الثبات، ومع الوصول لقوانين من هذا النوع يصبح التوقع في مداه القريب والاستشراف في مداه البعيد متاحًا. وبقدر ما تعد السياسة مواءمة بين متعارضات ومفاوضة بين خصوم يعد "التخطيط السياسي" للمستقبل مسعى للتحكم في العوامل التي تتفاعل على نحو حر لو تركت دون تدخل، وهنا نصبح أمام سبيكة من الإدراك الواقعي والخيال المحسوب والطموح إلى استباق الآتي.
لا شيء يبدو في الأفق القريب أو البعيد يستطيع حمل ولو قليلٍ من رذاذ الأمل، شبه المفقود لبقية الشعوب العربية التي ابتليت من غير أن تدري بحكم غريب الأطوار، غريب البنية، موبوء بفيروسات أيديزية، بعد أن ظنت نفسها هذه الشعوب المستضعفة قد حطمت قيود الاستغلال، واستنشقت عبير الحرية، بزحزحة آخر جندي من جنود الاحتلال، خارج الديار العربية. كما لا شيئ يعبر عن استقامة الأوضاع العامة لهذه الشعوب العربية رغم تبني "حكومة العالم"الشرطي "أمريكا" لمشروع الإصلاح الكبير داخل بيت الأنظمة العربية، و الذي تنكر لهذا الإصلاح زعماء العرب، وعدّوه إلى وقت قريب جدا ترفا فكريا، و أحلام يقظة تتلهى فقط بها الشعوب العاطلة والمقعدة.
قد يكون ما أقدمت عليه فرنسا مؤخرا من اعتراف رسمي بمجوعة كبيرة من الخونة الذين قدموا يد العون والمساعدة للجيش الفرنسي في حربه القذرة ضد الشعب الجزائري،وضد القضية الجزائرية التاريخية العادلة،هو عين الصواب من الناحية المنطقية الفرنسية،وقد لا يعني أحد من خارج فرنسا،فهذه مسألة فرنسية داخلية بحتة،تخص الفرنسيين لوحدهم.كما تخص المستفيدين من هذا الاعتراف وهذا التبجيل البطولي
عبارة موحية تلك التي وردت في تقرير الصحافية رندة تقي الدين (الحياة 21/ 2/ 2005) منسوبة إلى الشّهيد رفيق الحريري إذ يشبه لبنان بأوكرانيا قائلا إنّ: "أوكرانيا ليست أهم من لبنان والرئيس بشار الأسد ليس أقوى من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنسبة إلى الأسرة الدولية التي تريد انتخابات حرّة في لبنان".
رغم أن المشروع الصهيونيَّ أخذ طريقه إلى التحقق فعليًّا بتوافق فرنسيٍّ بريطانيٍّ في اتفاقيَّة سايكس بيكو (1916) واكتسب الدفعة الأكبر بوعد بلفور البريطانيِّ الشهير (1917) في حقبة لم يكن للولايات المتحدة فيها دور دوليٌّ كبير، ورغم أن الكيان الصهيونيَّ اعتمد في السنوات الأولى من عمره – حتى مطلع الستينات تقريبًا- على دعم أوروبيٍّ في المقام الأول، ورغم أن ظهور الولايات المتحدة للمرة الأولى على ساحة السياسة في العالم العربيِّ لم يرتبط بمشروعات استعماريَّة إلا أن معاداة الولايات المتحدة الأمريكيَّة تكاد أن تكون القاسم المشترك بين التيارات السياسيَّة كافة على الساحة العربيَّة منذ بدأت حقبة التحرر الوطنيِّ.
ما زالت شركة التبغ تستبلد المواطنين بمباركة وتزكية الحكومة. لقد سبق أن تطرقت إحدى الصحف لموضوع الدعاية العلنيَّة والمكشوفة للسجائر في نقط بيعها. وبعد الحملة الإعلانية ل "كولواز" هاهي "فورتونا" تقوم بالمثل، وهي حملتها الثانية بعد الحملة الإعلانيَّة الأولى التي شنتها في صيف 2003.
لقد أحسن الرئيس بشار الأسد عندما أعلن في خطابه الانسحاب من لبنان على مرحلتين وفي أسرع وقت ممكن. يكون بهذا قد سحب البساط من تحت أقدام ما يسمى بالمعارضة اللبنانيَّة التي تتناغم مطالبها مع مطالب الإدارة الأمريكيَّة ودوائر الغرب بصورة عامة. ولكن السؤال هل يكفي هذا لِتُوقِفَ الإدارة الأمريكيَّة الضغط المتواصل على سوريا والمنطقة؟ هل تكتفي تلك المعارضة بالانسحاب السوريِّ؟ هل ينفعها الاستقواء بالخارج على اللبنانيِّين أنفسهم الذين يؤيدون المقاومة وعدم تجريدها من السلاح؟